فصل: النَّوع الثَّامن والثَّلاثون: المَرَاسيل الخَفي إرْسَالها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تدريب الرَّاوي في شَرْح تَقْريب النَّواوى ***


النَّوع الخَامسُ والثَّلاثون‏:‏ مَعْرفةُ المُصَحَّف

هو فنٌّ جَليلٌ‏,‏ وإنَّما يُحقِّقهُ الحُذَّاق‏,‏ والدَّارَقُطْني منهم‏,‏ ولهُ فيه تَصْنيفٌ مُفيدٌ‏,‏ ويَكُون تَصْحيف لفْظٍ وبَصَرٍ في الإسْنَاد والمَتْن‏,‏ فمن الإسْنَاد‏:‏ العَوَّام بن مُرَاجم‏,‏ بالرَّاء والجيم‏,‏ صحَّفهُ ابن مَعِين‏,‏ فقالهُ بالزَّاي والحَاء‏.‏

ومن الثَّاني‏:‏ حديثُ زَيْد بن ثابت أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم احتَجَرَ في المَسْجدِ‏.‏ أي‏:‏ اتخذَ حُجْرَة مِنْ حَصيرٍ‏,‏ أو نحوه يُصلِّي فيها‏,‏ صحَّفهُ ابن لَهِيعة فقال‏:‏ احتجَمَ‏.‏

النَّوعُ الخامس والثلاثون‏:‏ معرفة المُصحَّف‏.‏

هو فنٌّ جليل مهم وإنَّما يحققه الحُذَّاق من الحُفَّاظ والدَّارقطني منهم‏,‏ وله فيه تصنيف مفيد وكذلك أبو أحمد العسكري‏.‏

وعن أحمد أنَّه قال‏:‏ ومن يعرى عن الخطأ والتصحيف‏.‏

ويكون تَصْحيف لفظ ويُقَابله تصحيف المعنى وبصر ومقابله تصحيف السَّمع‏.‏

ويَكُون في الإسْنَاد والمَتْن‏,‏ فمن التَّصحيف في الإسْنَاد‏:‏ العَوَّام بن مُراجم‏,‏ بالرَّاء والجيم‏,‏ صحَّفه ابن مَعِين فقاله مُزاحم بالزَّاي والحاء‏.‏

وعُتبة ابن النُّدر‏,‏ بالنُّون المَضْمومة والمْهملة المُشَدَّدة المفتُوحة‏,‏ صحَّفه ابن جرير الطَّبري بالمُوحدة والمُعجمة‏.‏

ومن الثَّاني أي‏:‏ التَّصحيف في المَتْن حديث زيد بن ثابت أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم احتجرَ في المَسْجد وهو بالرَّاء أي‏:‏ اتَّخذ حُجْرة من حصير‏,‏ أو نحوهُ يُصَلِّي فيها‏,‏ صحَّفه ابن لَهِيعة بفتح اللام وكسر الهاء فقال‏:‏ احتجم بالميم‏.‏

وحديثُ‏:‏ «مَنْ صَامَ رَمَضانَ‏,‏ وأتبعَهُ سِتًّا من شَوَّال‏.‏‏.‏‏.‏»‏.‏ صَحَّفهُ الصُّولي فقالَ‏:‏ شيئًا‏,‏ بالمُعجمة ويَكُون تَصْحيف سَمْع‏,‏ كحديث عن عَاصم الأحْوَل رواهُ بعضهُم فقال‏:‏ واصلٌ الأحْدَب‏,‏ ويَكُونُ في المَعْنَى‏,‏ كقول مُحمَّد بن المُثَنى‏:‏ نحنُ قومٌ لنَا شَرفٌ‏,‏ نحنُ من عَنزةَ‏,‏ صَلَّى إلينَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وحديث‏:‏ «من صَامَ رمضان‏,‏ وأتبعه ستا من شوَّال‏.‏‏.‏‏.‏» بالسين المُهملة والتاء الفوقية‏,‏ لفظ العدد صحَّفه الصُّولي فقال‏:‏ شيئا بالمُعجمة والتَّحتية‏.‏

وحديث أبي ذر‏:‏ «تُعين صَانعًا‏.‏‏.‏‏.‏»‏.‏ بالمهملة والنون‏,‏ صحَّفه هِشَام بن عروة بالمُعجمة والتَّحية‏.‏

وحديث مُعاوية‏:‏ لعنَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الَّذين يُشققون الخُطَب‏.‏ بالمُعجمة‏,‏ صحَّفهُ وكيع بفتح المُهملة‏,‏ وكذا صحَّفه ابن شاهين أيضًا‏,‏ فقال بعض المَلاَّحين وقد سمعه‏,‏ فكيف يا قَوْم والحاجة ماسَّة‏.‏

وحديث‏:‏ «أوْ شَاة تَيْعر‏.‏‏.‏‏.‏»‏.‏ بالياء التحتية‏,‏ صحَّفه أبو مُوسَى محمَّد بن المُثنى بالنُّون‏.‏

وصحَّف بعضهم حديث‏:‏ «زر غِبًّا‏,‏ تَزْدَد حُبًّا»‏.‏ فقال‏:‏ زر عنًا‏,‏ تزدد حنًا‏,‏ ثمَّ فسَّره بأن قومًا كانُوا لا يُؤدُّون زكاة زُروعهم‏,‏ فصَارت كلها حناء‏.‏

ويَكُون تصحيف سَمْع بأن يَكُون الاسم واللَّقب‏,‏ أو الاسم واسم الأب‏,‏ على وزن اسم آخر‏,‏ ولقبه‏,‏ أو اسم آخر‏,‏ واسم أبيه‏,‏ والحروف مُختلفة شكلاً ونَقْطًا‏,‏ فيَشْتبه ذلك على السَّمع‏.‏

كحديث عن عاصم الأحْوَل‏,‏ رَواهُ بعضهم‏,‏ فقال‏:‏ واصل الأحدب أو عكسه‏,‏ وحديث عن خالد بن علقمة‏,‏ رواه شُعبة فقال‏:‏ مالك بن عرطفة‏.‏

ويَكُون التَّصحيف في المَعْنَى‏,‏ كَقول أبي مُوسى محمَّد بن المُثنى العَنْزي المُلقَّب بالزمن‏,‏ أحد شُيوخ الأئمة السِّتة نحنُ قومٌ لنا شرف‏,‏ نحن من عَنْزة‏,‏ صلَّى إلينا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يريدُ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم صلَّى إلى عَنْزة فتوهَّم أنَّه صلَّى إلى قَبِيلتهم‏,‏ وإنَّما العَنْزة هُنَا الحَرْبة تُنْصب بين يديه‏.‏

وأعجب من ذلك ما ذكرهُ الحاكم‏,‏ عن أعْرَابي‏,‏ أنَّه زعم‏,‏ أنَّه صلى الله عليه وسلم صلَّى إلى شاة‏,‏ صحَّفها عَنْزة‏,‏ بسكون النُّون‏,‏ ثمَّ رواه بالمعنى على وهمه‏,‏ فأخطأ من وجهين‏.‏

ومن ذلك أنَّ بعضهم سمع حديث النَّهي عن التَّحليق يوم الجُمعة قبل الصَّلاة‏,‏ قال‏:‏ ما حلقتُ رَأْسي قبل الصَّلاة منذ أربعين سَنَة‏.‏ فهمَ منه تحليق النَّاس حَلْقًا‏.‏

قال ابن الصَّلاح‏:‏ وكثير من التَّصحيف المَنْقُول عن الأكَابر الجلة‏,‏ لهم فيه أعْذَار‏,‏ لم ينقلها ناقلوه‏.‏

تنبيه‏:‏

قسم شيخ الإسلام هذا النَّوع إلى قسمين‏:‏

أحدهما‏:‏ ما غُيِّر فيه النَّقط‏,‏ فهو المُصحَّف‏.‏

والآخر‏:‏ ما غُيِّر فيه الشكل‏,‏ مع بقاء الحُروف‏,‏ فهو المحرف‏.‏

فائدة‏:‏

أورد الدَّارقُطْني في كتاب «التَّصحيف» كل تصحيف وقعَ للعُلماء حتَّى في القُرآن‏.‏

من ذلكَ ما رواهُ عُثمان بن أبي شَيْبة‏,‏ قرأ على أصْحَابه في التَّفسير‏,‏ جعل السَّفينة في رَحْل أخيه‏.‏ فقيل لهُ‏:‏ إنَّما هو‏:‏ ‏{‏جَعَلَ السِّقَايَةَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 70‏]‏ فقال‏:‏ أنا وأخي أبو بكر لا نقرأ لعاصم‏.‏

قال‏:‏ وقرأ عليهم في التَّفسير‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ‏}‏ قالها‏:‏ ا ل م، يعني كأوَّل البقرة‏.‏

النَّوع السَّادس والثَّلاثون‏:‏ مَعْرفةُ مُخْتَلف الحَديثِ وحُكْمهُ

هذا فنٌّ من أهمِّ الأنْوَاعِ‏,‏ ويُضطرُّ إلى مَعْرفتهِ جميعُ العُلَماء من الطَّوائف‏,‏ وهو أن يأتي حَدِيثَان مُتَضَادَّان في المَعْنى ظاهرًا‏,‏ فيُوفِّق بينهمَا‏,‏ أو يُرَجِّح أحدهمَا‏,‏ وإنَّمَا يكمُلُ لهُ الأئمةُ الجَامعُونَ بينَ الحَديثِ والفقه‏,‏ والأصُوليون الغَوَّاصُونَ على المَعَاني‏,‏ وصنَّفَ فيه الإمامُ الشَّافعيُّ ولم يَقْصد رحمهُ الله اسْتيفَاءه‏,‏ بل ذَكرَ جُمْلةً يُنَبِّهُ بها على طريقه‏,‏ ثمَّ صنَّف فيهِ ابن قُتَيبة‏,‏ فأتَى بأشياء حَسَنة‏,‏ وأشْيَاء غير حَسَنة‏,‏ لِكَون غيرهَا أقْوَى وأوْلَى‏,‏ وتركَ مُعْظَم المُختَلف‏.‏

النَّوع السَّادس والثَّلاثون‏:‏ معرفة مُختَلف الحديث وحُكمه‏.‏

هذا فنٌّ من أهم الأنواع‏,‏ ويضطرُّ إلى معرفته جميع العُلماء من الطَّوائف‏,‏ وهو أن يأتي حديثان مُتضادَّان في المَعْنَى ظاهرًا‏,‏ فيُوفِّق بينهما‏,‏ أو يُرَجِّح أحدهما فيعمل به دون الآخر وإنَّما يكمل له الأئمة الجَامعُون بين الحديث والفِقْه‏,‏ والأُصُوليون الغَوَّاصون على المَعَاني الدَّقيقة‏.‏

وصنَّف فيه الإمام الشَّافعي وهو أوَّل من تكلَّم فيه ولم يقصد رحمه الله استيفاءه ولا إفرادهُ بالتَّأليف بَلْ ذكر جُمْلة منهُ في كِتَاب الأم يُنبه بها على طريقه أي‏:‏ الجمع في ذلك‏.‏

ثمَّ صنَّف فيه ابن قُتيبة‏,‏ فأتَى فيه بأشياء حسنة‏,‏ وأشياء غير حسنة قَصُرَ فيها باعهُ لِكَون غيرها أوْلَى وأقْوَى منها وتركَ مُعظم المُختلف‏.‏

ثمَّ صنَّف في ذلك ابن جرير‏,‏ والطَّحَاوي كتابه «مُشْكل الآثار»‏.‏

وكان ابن خُزَيمة من أحْسَن النَّاس كلامًا فيه‏,‏ حتَّى قال‏:‏ لا أعرفُ حديثين مُتضادين‏,‏ فمن كان عندهُ فليَأتني به لأؤلف بينهما‏.‏

ومَنْ جمعَ مَا ذكَرْنا لا يُشْكل عليه إلاَّ النَّادرُ في الأحيان‏,‏ والمُختَلف قِسْمَان‏:‏ أحدهما يُمكنُ الجَمْعُ بينهمَا‏,‏ فيَتعيَّن ويجب العملُ بهمَا‏.‏

ومن جمعَ ما ذكرنا من الحديث‏,‏ والفقه‏,‏ والأصُول‏,‏ والغوص على المعاني الدَّقيقة‏,‏ لا يُشكل عليه من ذلك إلاَّ النَّادر في الأحيان‏.‏

والمُختَلف قِسْمان‏:‏ أحدهما يمكن الجمع بينهما بوجه صحيح فيتعيَّن ولا يُصَار إلى التَّعَارض‏,‏ ولا النَّسخ ويجب العمل بهما‏.‏

ومن أمْثلة ذلك في أحاديث الأحْكَام‏,‏ حديث‏:‏ «إذَا بلغَ الماء قُلَّتين لم يَحْمل الخَبَث»‏.‏

وحديث‏:‏ «خلقَ الله المَاء طَهُورًا لا يُنجسه شيء‏,‏ إلاَّ ما غيَّر طَعْمه‏,‏ أو لَوْنه‏,‏ أو ريحه»‏.‏

فإن الأوَّل ظَاهرهُ طَهَارة القُلَّتين‏,‏ تغيَّر أم لا‏,‏ والثَّاني ظاهره طهارة غير المُتغيِّر‏,‏ سواء كانَ قُلَّتين أم أقل‏,‏ فخصَّ عُموم كل منهما بالآخر‏.‏

وفي غَيْرها‏:‏ حديث «لا يُوردنَّ مُمْرض على مُصح»‏.‏

و«فِر من المَجْذُوم فِرَاركَ من الأسَد»‏.‏

مع حديث‏:‏ «لا عَدوَى‏,‏ ولا طَيْرة»‏.‏ وكلها صحيحة‏.‏

وقد سلكَ النَّاس في الجَمْع مَسَالك‏:‏

أحدها‏:‏ أنَّ هذه الأمْرَاض لا تُعدي بطبعها‏,‏ لكن الله تَعَالى جعلَ مُخَالطة المَرِيض بها‏,‏ للصَّحيح سببًا لإعدائه مرضه‏,‏ وقد يتخلَّف ذلك عن سببه‏,‏ كما في غيره من الأسْبَاب‏,‏ وهذا المَسْلك هو الَّذي سلكهُ ابن الصَّلاح‏.‏

الثَّاني‏:‏ أنَّ نَفي العدوَى باقٍ على عُمومه‏,‏ والأمر بالفِرَار من باب سدِّ الذرائع‏,‏ لئلاَّ يَتَّفق للذي يُخَالطه شيء من ذلك بتقدير الله تعالى ابتداء‏,‏ لا بالعَدْوى المَنْفية‏,‏ فيَظُن أنَّ ذلكَ بسبب مُخَالطته‏,‏ فيَعْتقد صحَّة العَدْوَى‏,‏ فيقع في الحَرَج‏,‏ فأمرَ بتجنبه حسمًا للمادة‏,‏ وهذا المَسْلك هو الَّذي اختارهُ شيخ الإسْلام‏.‏

الثَّالث‏:‏ أنَّ إثبات العدوَى في الجُذَام ونحوه مخصوص من عُموم نفي العدوَى‏,‏ فيَكُون معنى قولهُ‏:‏ «لا عدوَى»‏.‏ أي‏:‏ إلاَّ من الجُذام ونحوه‏,‏ فكأنَّه قال‏:‏ لا يعدي شيء شيئا‏,‏ إلاَّ فيما تقدَّم تبييني له أنَّه يُعدي‏,‏ قاله القاضي أبو بكر الباقلاني‏.‏

الرَّابع‏:‏ أنَّ الأمر بالفِرَار رعاية لخاطر المجذوم‏,‏ لأنَّه إذا رأى الصَّحيح تَعْظُم مصيبته‏,‏ وتزداد حسرتهُ‏,‏ ويُؤيده حديث‏:‏ «لا تُديموا النَّظر إلى المَجْذومين»‏.‏ فإنَّه مَحْمولٌ على هذا المعنى‏,‏ وفيه مسالك أُخر‏.‏

والثَّاني‏:‏ لا يُمكن بوجْهٍ‏,‏ فإنْ عَلمنَا أحدهُمَا ناسخًا قدَّمناهُ‏,‏ وإلاَّ عملنا بالرَّاجح‏,‏ كالتَّرْجيح بصفَاتِ الرُّواة وكَثْرتهم في خمسين وجها‏.‏

و القسم الثَّاني لا يُمكن الجمع بينهما بوجه‏,‏ فإن علمنا أحدهما ناسخًا بطريقة ممَّا سبق قدَّمناه‏,‏ وإلاَّ عملنا بالرَّاجح منهما كالتَّرجيح بصفات الرُّواة أي‏:‏ كَوْن رُواة أحدهما أتقن وأحفظ‏,‏ ونحو ذلك مِمَّا سيذكر وكثرتهم في أحد الحديثين في خمسين وجهًا من المُرَجحات‏,‏ ذكرها الحازمي في كتابه «الاعتبار في النَّاسخ والمنسوخ» ووصلها غيره إلى أكثر من مئة‏,‏ كما استوفى ذلك العِرَاقي في «نكته»‏.‏

وقد رأيتها مُنْقسمة إلى سَبْعة أقْسَام‏:‏

الأوَّل‏:‏ التَّرجيح بحال الرَّاوي وذلك بوجُوه‏:‏

أحدها‏:‏ كثرة الرُّواة‏,‏ كما ذكر المُصنِّف‏,‏ لأنَّ احتمال الكذب والوَهْم على الأكثر‏,‏ أبعد من احتماله على الأقل‏.‏

ثانيها‏:‏ قِلَّة الوسائط‏,‏ أي‏:‏ عُلو الإسْنَاد‏,‏ حيث الرِّجال ثقات‏,‏ لأنَّ احتمال الكذب والوهم فيه أقل‏.‏

ثالثها‏:‏ فقه الرَّاوي‏,‏ سَوَاء كان الحديث مَرْويًا بالمعنى‏,‏ أو اللفظ‏,‏ لأنَّ الفقيه إذا سمع ما يمتنع حملهُ على ظاهره بحث عنه‏,‏ حتَّى يطلع على ما يزول به الإشْكَال‏,‏ بخلاف العامي‏.‏

رابعها‏:‏ علمه بالنَّحو‏,‏ لأنَّ العالم به يتمكَّن من التحفُّظ عن مواقع الزَّلل ما لا يتمكَّن منهُ غيره‏.‏

خامسها‏:‏ علمه باللُّغة‏.‏

سادسها‏:‏ حفظهُ‏,‏ بخلاف من يعتمد على كتابه‏.‏

سابعها‏:‏ أفضليتهُ في أحد الثَّلاثة‏,‏ بأن يكونَا فَقِيهين‏,‏ أو نَحَويين‏,‏ أو حافظين‏,‏ وأحدهما في ذلك أفضل من الآخر‏.‏

ثامنها‏:‏ زيادةُ ضبطه‏,‏ أي اعتناؤه بالحديث‏,‏ واهتمامه به‏.‏

تاسعها‏:‏ شُهرته لأنَّ الشُّهرة تمنع الشَّخص من الكذب‏,‏ كما تمنعهُ من ذلك التقوى‏.‏

عاشرها إلى العشرين‏:‏ كونه ورعًا‏,‏ أو حسن الاعتقاد – أي‏:‏ غير مبتدع- أو جليسًا لأهل الحديث‏,‏ أو غيرهم من العُلماء‏,‏ أو أكثر مُجَالسة لهم‏,‏ أو ذكرًا‏,‏ أو حُرًّا‏,‏ أو مشهور النَّسب‏,‏ أو لا لبس في اسمه‏,‏ بحيث يشاركه فيه ضعيف‏,‏ وصعب التمييز بينهما‏,‏ أو له اسم واحد‏,‏ ولذلك أكثر ولم يختلط‏,‏ أو له كتاب يُرجع إليه‏.‏

حادي عشرينها‏:‏ أن تثبت عدالته بالإخبار‏,‏ بخلاف من تثبت بالتَّزكية‏,‏ أو العمل بروايته‏,‏ أو الرِّواية عنه‏,‏ إن قلنا بهما‏.‏

ثاني عشرينها إلى سابع عشرينها‏:‏ أن يعمل بخبره من زكَّاه‏,‏ ومعارضه لم يعمل به من زكَّاه‏,‏ أو يتَّفق على عدالته‏,‏ أو يُذكر سبب تعديله‏,‏ أو يكثُر مُزكُّوه‏,‏ أو يكُونوا عُلماء‏,‏ أو كثيري الفحص عن أحْوَال النَّاس‏.‏

ثامن عشرينها‏:‏ أن يَكُون صاحب القِصَّة‏,‏ كتقديم خبر أم سَلَمة زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم في الصَّوم لمن أصبحَ جُنبًا‏.‏ على خبر الفضل بن العبَّاس في منعه‏,‏ لأنَّها أعلم منه‏.‏

تاسع عشرينها‏:‏ أن يُبَاشر ما رواه‏.‏

الثَّلاثون‏:‏ تأخُّر إسلامه‏.‏ وقيلَ‏:‏ عكسه لقوة أصالة المُتقدَِّم ومعرفته‏.‏ وقيلَ‏:‏ إن تأخَّر موته إلى إسْلام المُتأخِّر‏,‏ لم يرجح بالتأخير‏,‏ لاحتمال تأخُّر رِوَايته عنهُ‏,‏ وإن تقدَّم‏,‏ أو علم أن أكثر رُواياته مُتقدِّمة على رواية المُتأخِّر رُجِّح‏.‏

الحادي والثَّلاثون إلى الأرْبعين‏:‏ كونهُ أحسن سِيَاقًا واستقصَاء لحديثه‏,‏ أو أقرب مكانًا‏,‏ أو أكثر مُلازمة لشيخه‏,‏ أو سمع من مشايخ بلدهِ‏,‏ أو مُشَافهًا مُشاهدًا لشيخه حال الأخذ‏,‏ أو لا يُجيز الرِّواية‏,‏ بالمعنى‏,‏ أو الصَّحابي من أكابرهم‏,‏ أو علي رضي الله عنه وهو في الأُقْضية‏,‏ أو مُعاذ‏,‏ وهو في الحلال والحرام‏,‏ أو زيد‏,‏ وهو في الفرائض‏,‏ أو الإسْنَاد حِجَازي‏,‏ أو رُوَاته من بلد لا يرضُون التَّدْليس‏.‏

القِسْم الثَّاني‏:‏ التَّرجيح بالتحمُّل‏,‏ وذلك بوجوه‏:‏

أحدها‏:‏ الوقت‏,‏ فيرجح منهم من لم يتحمل بحديث إلاَّ بعد البُلوغ‏,‏ على من كان بعض تحمُّله قبله‏,‏ أو بعضه بعده‏,‏ لاحتمال أن يَكُون هذا مِمَّا قبله‏,‏ والمتحمل بعده أقوى‏,‏ لتأهله للضَّبط‏.‏

ثانيها وثالثها‏:‏ أن يتحمَّل بحدَّثنا‏,‏ والآخر عرضًا‏,‏ أو عرضًا والآخر كِتَابة‏,‏ أو مُنَاولة‏,‏ أو وجَادة‏.‏

القِسْم الثَّالث‏:‏ التَّرجيح بكيفية الرِّواية‏,‏ وذلك بوجُوه‏.‏

أحدها‏:‏ تقديم المَحْكي بلفظه‏,‏ على المَحْكي بمعناه‏,‏ والمُشْكُوك فيه‏,‏ على ما عرف أنَّه مَرْوي بالمَعْنَى‏.‏

ثانيها‏:‏ ما ذُكر فيه سبب ورُوده‏,‏ على ما لَمْ يَذْكر فيه‏,‏ لدلالته على اهتمام الرَّاوي به‏,‏ حيث عرف سببه‏.‏

ثالثها‏:‏ أن لا يُنكره راويه‏,‏ ولا يتردَّد فيه‏.‏

رابعها إلى عاشرها‏:‏ أن تَكُون ألفاظه دالة على الاتِّصال‏,‏ كحدَّثنا‏,‏ وسمعتُ‏,‏ أو اتُّفِق على رفْعهِ‏,‏ أو وصله‏,‏ أو لم يُختلف في إسناده‏,‏ أو لم يضطرب لفظه‏,‏ أو رُوي بالإسناد‏,‏ وعُزي ذلك لكتاب معروف‏,‏ أو عزيز‏,‏ والآخر مشهور‏.‏

القسم الرَّابع‏:‏ التَّرجيح بوقت الورود‏,‏ وذلك بوجوه‏:‏

أحدها وثانيها‏:‏ بتقديم المدني على المَكِّي‏,‏ والدال على عُلو شأن المُصطفَى صلى الله عليه وسلم على الدَّال على الضَّعف‏:‏ كـ‏:‏ «بَدَأ الإسْلام غريبًا‏.‏‏.‏‏.‏»‏.‏ ثمَّ شهرته‏,‏ فيكون الدَّال على العلو متأخِّرًا‏.‏

ثالثها‏:‏ ترجيح المُتضمِّن للتَّخفيف‏,‏ لدلالته على التأخُّر‏,‏ لأنَّه صلى الله عليه وسلم كان يغلظ في أوَّل أمره‏,‏ زجرًا عن عادات الجَاهلية‏,‏ ثمَّ مال للتخفيف‏.‏

كذلك قال صاحب «الحاصل» و«المنهاج» ورجَّح الآمدي وابن الحاجب وغيرهما عكسه‏,‏ وهو تقديم المُتضمِّن للتغليظ‏,‏ وهو الحق‏,‏ لأنَّه صلى الله عليه وسلم جَاء أولاً بالإسلام فقط‏,‏ ثمَّ شُرعت العبادات شيئا فشيئا‏.‏

رابعها‏:‏ تَرْجيح ما تحمَّل بعد الإسْلام‏,‏ على ما تحمَّل قبله‏,‏ أو شكَّ لأنَّه أظهر تأخرًا‏.‏

خامسهَا وسَادسها‏:‏ تَرْجيح غير المُؤرخ‏,‏ على المُؤرخ بتاريخ مُتقدِّم‏,‏ وترجيح المُؤرخ بمُقَارب بوفَاته صلى الله عليه وسلم، على غير المؤرخ‏.‏

قال الرَّازي‏:‏ والتَّرجيح بهذه السِّتة‏,‏ أي‏:‏ إفَادتها للرُّجْحان غير قوية‏.‏

القِسْمُ الخامس‏:‏ التَّرجيح بلفظ الخبر‏,‏ وذلك بوجوه‏:‏

أحدها إلى الخامس والثلاثين‏:‏ تَرْجيح الخاص على العام‏,‏ والعام الَّذي لم يُخصص على المُخصَّص‏,‏ لضعف دلالته بعد التخصيص‏,‏ على باقي أفْرَاده‏,‏ والمُطْلق على ما ورد على سبب‏,‏ والحقيقة على المَجَاز‏,‏ والمَجَاز المُشبه للحقيقة على غيره‏,‏ والشَّرعية على غيرها‏,‏ والعُرفية على اللُّغوية‏,‏ والمستغنى على الإضمار‏,‏ وما يقلُّ فيه اللَّبس‏,‏ وما اتُّفق على وضعه لمُسمَّاه‏,‏ والمُومي للعلَّة والمَنْطُوق‏,‏ ومفهوم المُوافقة على المُخَالفة‏,‏ والمَنْصُوص على حُكمه مع تشبيهه بمحل آخر‏,‏ والمُسْتفاد عُمومه من الشَّرط‏,‏ والجزاء على النكرة المنفية‏,‏ أو من الجمع المعرف على مَنْ وما‏,‏ أو من الكلِّ‏,‏ وذلك من الجنس المعرَّف‏,‏ وما خطابه تكليفي على الوضعي‏,‏ وما حُكمه معقول المعنى‏,‏ وما قدم فيه ذكر العِلَّة‏,‏ أو دلَّ الاشْتقاق على حُكمه‏,‏ والمقارن للتهديد‏,‏ وما تهديده أشد‏,‏ والمُؤكد بالتكرار‏,‏ والفصيح‏,‏ وما بلغة قريش‏,‏ وما دل على المعنى المُراد بوجهين فأكثر‏,‏ وبغير واسطة‏,‏ وما ذكر معه مُعَارضة‏,‏ كـ‏:‏ «كنتُ نهيتكُم عن زِيَارة القُبُور فَزُوروهَا»‏.‏ والنص والقول‏,‏ وقولٌ قارنه العمل‏,‏ أو تفسير الرَّاوي وما قرن حكمه بصفة‏,‏ على ما قرن باسم‏,‏ وما فيه زيادة‏.‏

القِسْمُ السَّادس‏:‏ التَّرجيح بالحُكم‏,‏ وذلك بوجوه‏:‏

أحدها‏:‏ تقديم النَّاقل على البراءة الأصلية على المقرر لها‏,‏ وقيلَ‏:‏ عكسه‏.‏

ثانيها‏:‏ تقديم الدَّال على التَّحريم‏,‏ على الدَّال على الإبَاحة والوجُوب‏.‏

ثالثها‏:‏ تقديم الأحْوط‏.‏

رابعها‏:‏ تقديم الدَّال على نفي الحد‏.‏

القِسْمُ السَّابع‏:‏ التَّرجيح بأمر خارجي‏,‏ كتقديم ما وافقه ظاهر القُرآن‏,‏ أو سُنة أخرى‏,‏ أو ما قبل الشَّرع‏,‏ أو القياس‏,‏ أو عمل الأُمة‏,‏ أو الخُلفاء الرَّاشدين‏,‏ أو معه مُرْسل آخر‏,‏ أو مُنقطع‏,‏ أو لم يشعر بنوع قدح في الصَّحابة‏,‏ أو له نظير مُتَّفق على حُكْمه‏,‏ أو اتَّفق على إخراجه الشَّيْخان‏.‏

فهذه أكثر من مئة مُرجح‏,‏ وثَمَّ مُرجحات أُخر لا تَنْحصر‏,‏ ومثارها غَلَبة الظَّن‏.‏

فوائد‏:‏

الأُولى‏:‏ منعَ بعضهم التَّرجيح في الأدلة‏,‏ قياسًا على البينات‏,‏ وقال‏:‏ إذا تعارضا لزم التَّخيير أو الوقف‏.‏

وأُجيبث بأنَّ مالكًا يرى تَرْجيح البينة على البينة‏,‏ ومن لم ير ذلك يقول‏:‏ البينة مُستندة إلى توقيفات تعبدية‏,‏ ولهذا لا تقبل إلاَّ بلفظ الشَّهادة‏.‏

الثَّانية‏:‏ إن لم يوجد مُرجح لأحد الحديثين‏,‏ توقف عن العمل به حتَّى يظهر‏.‏

الثَّالثة‏:‏ التعارض بين الخبرين إنَّما هو لخلل في الإسناد بالنسبة إلى ظن المُجتهد‏,‏ وأمَّا في نفس الأمر فلا تعارض‏.‏

الرَّابعة‏:‏ ما سلم من المُعَارضة فهو مُحْكم‏,‏ وقد عقد له الحاكم في «عُلوم الحديث» بابًا‏,‏ وعدَّه من الأنواع‏,‏ وكذا شيخ الإسلام في «النُّخبة»‏.‏

قال الحاكم‏:‏ ومن أمثلته حديث‏:‏ «إنَّ أشد النَّاس عذابًا يوم القيامة الَّذين يُشبِّهون بخلق الله»‏.‏

وحديث‏:‏ «لا يَقْبل الله صَلاةً بغيرِ طهور‏,‏ ولا صَدَقة من غُلول»‏.‏

وحديث‏:‏ «إذَا وضِعَ العَشَاء‏,‏ وأُقيمت الصَّلاة فابدؤوا بالصَّلاة»‏.‏

وحديث‏:‏ «لا شِغَار في الإسْلام»‏.‏

قال‏:‏ وقد صنَّف فيه عُثمان بن سعيد الدَّارمي كتابًا كبيرًا‏.‏

النَّوع السَّابع والثَّلاثون‏:‏ مَعْرفةُ المَزِيد في مُتَّصل الأسَانيد

ومِثَالهُ‏:‏ ما رَوَى ابن المُبَارك‏,‏ قال‏:‏ حدَّثنا سُفيان‏,‏ عن عبد الرَّحمن بن يزيد‏,‏ حدَّثني بُسْر بن عُبيد الله‏,‏ قال‏:‏ سمعتُ أبا إدْرِيس قال‏:‏ سمعتُ واثلة يقول‏:‏ سَمعتُ أبا مَرْثد يقول‏:‏ سَمعتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «لا تَجْلسُوا على القُبُورِ‏.‏‏.‏‏.‏» فذكرُ سُفيان وأبي إدريس زيادةُ وَهْم‏,‏ فالوَهْم في سُفيان مِمَّن دُون ابن المُبَارك‏,‏ لأنَّ ثِقَاتٍ رَووه عن ابن المُبَارك‏,‏ عن ابن يزيد‏.‏

النَّوع السَّابع والثَّلاثون‏:‏ معرفةُ المزيد في مُتَّصل الأسانيد‏.‏

ومِثاله ما روى عبد الله ابن المبارك قال‏:‏ حدَّثنا سُفْيان‏,‏ عن عبد الرَّحمن بن يزيد‏,‏ حدَّثني بُسْر بن عُبيد الله بضمِّ المُوحدة وبالمُهملة‏,‏ وأبوه مُصغَّر قال‏:‏ سمعت أبا إدريس الخَوْلاني قال‏:‏ سمعتُ واثلة ابن الأسْقَع يقول‏:‏ سمعتُ أبَا مَرْثد الغَنَوي يقول‏:‏ سمعتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «لا تَجْلسُوا على القُبُور ولا تُصلُّوا إليها»‏.‏

فذكرُ سُفيان وأبي إدْريس في هذا الإسْنَاد زيادةُ وَهْم‏,‏ فالوَهْم في سُفْيان مِمَّن دون ابن المُبَارك‏,‏ لأنَّ ثِقَات رووهُ عن ابن المُبَارك‏,‏ عن ابن يزيد نفسه‏,‏ منهم‏:‏ ابن مهدي‏,‏ وحسن بن الرَّبيع‏,‏ وهنَّاد بن السَّري وغيرهم‏.‏

ومِنْهم من صَرَّح فيه بالإخْبَار‏,‏ وفي أبي إدْريس من ابن المُبَارك‏,‏ لأنَّ ثِقَاتٍ رَوَوهُ عن ابن يزيد فلم يذكُروا أبَا إدْريس‏,‏ ومِنْهُم من صَرَّح بسَمَاع بُسْر من وَاثلة‏,‏ وصَنَّف الخَطِيب في هذا كِتَابًا‏,‏ في كَثيرٍ منهُ نَظَرٌ‏,‏ لأنَّ الخَالي عن الزَّائد إنْ كَانَ بحرف‏:‏ عَنْ‏,‏ فيَنْبغي أن يُجْعلَ مُنقطعًا‏,‏ وإن صَرَّح فيه بِسَماعٍ أو إخْبَار احتملَ أن يَكُون سَمعهُ من رَجُل عنه‏,‏ ثمَّ سَمعهُ منه‏,‏ إلاَّ أن تُوجد قَرِينة تَدُل على الوَهْم‏,‏ ويُمكن أن يُقَال‏:‏ الظَّاهر مِمَّن لهُ هذا أن يذكُر السَّمَاعين‏,‏ فإذَا لم يَذْكُرهما حُملَ على الزِّيادة‏.‏

ومنهم من صرَّح فيه بالإخبار بينهما و الوهم في أبي إدريس من ابن المبارك‏,‏ لأنَّ ثقات رَوَوهُ عن ابن يزيد عن بُسْر‏,‏ عن واثلة فلم يذكُروا أبا إدريس منهم علي بن حُجْر‏,‏ والوليد بن مسلم‏,‏ وعيسى بن يونس‏,‏ وغيرهم‏.‏

ومنهم من صرَّح بسماع بُسْر من واثلة وقد حكم الأئمة على ابن المُبَارك بالوهم في ذلك‏,‏ كالبُخَاري وغيره‏.‏

وقال أبو حاتم الرَّازي‏:‏ وكثيرًا ما يُحدِّث بُسْر عن أبي إدريس‏,‏ فغلط ابن المُبَارك‏,‏ وظنَّ أنَّ هذا مِمَّا رُوي عن أبي إدريس‏,‏ عن واثلة‏,‏ وقد سمعَ هذا بُسْر من واثلة نفسه‏,‏ ثمَّ الحديث على الوَجْهين عند مُسْلم والتِّرمذي‏.‏

وصنَّف الخَطِيب في هذا النَّوع كتابًا سمَّاه «تمييز المَزِيد في مُتَّصل الأسانيد» في كثير منه نظر‏,‏ لأنَّ الإسناد الخالي عن الرَّاوي الزَّائد إن كان بحرف‏:‏ عن ونحوها مِمَّا لا يقتضي الاتِّصال فينبغي أن يُجعل مُنقطعًا ويعل بالإسناد الَّذي ذُكر فيه الرَّاوي الزَّائد‏,‏ لأنَّ الزِّيادة من الثِّقة مَقْبُولة وإن صَرَّح فيه بسماعٍ أو إخبار أو تحديث احتمل أن يَكُون سمعهُ من رَجُل عنه‏,‏ ثمَّ سمعهُ منه اللهمَّ إلاَّ أن تُوجد قرينة تَدُل على الوهم كما ذكرهُ أبو حاتم في المِثَال السَّابق‏.‏

ويُمكن أن يُقال أيضًا‏:‏ الظَّاهر مِمَّن وقع له هذا أن يذكُر السَّماعين‏,‏ فإذا لم يَذْكُرهما حُمل على الزِّيادة المَذْكُورة‏.‏

النَّوع الثَّامن والثَّلاثون‏:‏ المَرَاسيل الخَفي إرْسَالها

هو مُهمٌ عَظيمُ الفَائدة‏,‏ يُدْركُ بالاتِّساعِ في الرِّوايةِ‏,‏ وجَمْع الطُّرق مَعَ المَعْرفة التَّامة‏,‏ وللخَطِيب فيه كِتَابٌ‏,‏ وهُو مَا عُرفَ إرْسَالهِ لعَدَمِ اللِّقَاء‏,‏ أو السَّماع‏.‏

النَّوع الثَّامن والثَّلاثون‏:‏ المَرَاسيل الخَفِي إرْسَالها أي‏:‏ انْقطاعهَا‏.‏

هو فنٌّ مُهمٌّ عظيم الفائدة‏,‏ يُدرك بالاتِّساع في الرِّواية وجمع الطُّرق للأحاديث مع المعرفة التَّامة‏,‏ وللخَطِيب فيه كتاب سمَّاه «التفصيل لمُبْهم المَرَاسيل»‏.‏

وأصلُ الإرْسَال ظاهر‏,‏ كرواية الرَّجُل عمَّن لم يُعاصره‏,‏ كرواية القاسم بن محمَّد‏,‏ عن ابن مسعود‏,‏ ومالك عن ابن المُسيب‏.‏

وخفي‏:‏ وهو المَذْكُور ههنا‏.‏

وهو ما عُرف إرساله لعدم اللِّقاء لمن روى عنه مع المُعَاصرة أو لعدم السَّماع مع ثُبوت اللِّقاء‏,‏ أو لعدم سَمَاع ذلك الخَبَر بعينه‏,‏ مع سَمَاع غيره‏,‏ ويُعرف ما ذكر إمَّا بنصِّ بعض الأئمة عليه‏,‏ أو بوجه صحيح‏,‏ كإخباره عن نفسه بذلك في بعض طرق الحديث‏,‏ ونحو ذلك‏.‏

كحديث رواه ابن مَاجه‏,‏ من رِوَاية عُمر بن عبد العزيز‏,‏ عن عُقبة بن عَامر مرفُوعًا‏:‏ «رَحِمَ الله حَارس الحَرَس»‏.‏

فإنَّ عُمر لَمْ يلق عُقْبة‏,‏ كما قال المِزِّي في «الأطراف»‏.‏

وكأحاديث أبي عُبيدة‏,‏ عن أبيه‏,‏ عن عبد الله ابن مَسْعُود‏,‏ فقد روى التِّرمذي أنَّ عَمرو بن مُرَّة قال لأبي عُبيدة‏:‏ هل تذكُر من عبد الله شيئا‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

ومنهُ ما يحكُمُ بإرْسَالهِ‏,‏ لمَجِيئه من وجْهٍ آخَرَ بزيادة شخص وهذا القسم مع النَّوع السَّابق يعترضُ بكلِّ واحد منهُمَا على الآخر‏,‏ وقد يُجَابُ بنحو ما تقدَّم‏.‏

ومنهُ ما يُحْكم بإرْسَاله‏,‏ لمَجِيئه من وجه آخرَ بزيادة شخص بينهما‏,‏ كحديث رواه عبد الرزاق‏,‏ عن سُفْيان الثَّوري‏,‏ عن أبي إسْحَاق‏,‏ عن زيد بن يثيع‏,‏ عن حذيفة مرفوعًا‏:‏ «إنْ ولَيتمُوهَا أبَا بَكْر فَقوِّي أمين»‏.‏

فهو مُنْقطع في مَوْضعين‏,‏ لأنَّه روي عن عبد الرزاق‏,‏ قال‏:‏ حدَّثني النُّعمان ابن أبي شَيْبة‏,‏ عن الثَّوري‏.‏

ورُوي أيضًا عن الثَّوري‏,‏ عن شَريك‏,‏ عن أبي إسْحَاق‏.‏

وهذا القِسْم مع النَّوع السَّابق وهو المَزِيد في مُتَّصل الأسانيد يعترض بكل منهما على الآخر لأنَّه ربَّما كان الحكم للزَّائد‏,‏ وربَّما كان للناقص‏,‏ والزَّائد وهم‏,‏ وهو يشتبه على كثير من أهل الحديث‏,‏ ولا يُدْركه إلاَّ النُّقاد وقد يجاب بنحو ما تقدَّم‏.‏

النَّوع التَّاسع والثَّلاثون‏:‏ مَعْرفةُ الصَّحابة رضي الله عنهم

وهَذَا علمٌ كبيرٌ عَظيمُ الفَائدةِ‏,‏ فبهِ يُعرفُ المُتَّصل من المُرْسل‏,‏ وفيه كُتبٌ كثيرةٌ‏,‏ ومن أحسنهَا وأكثرها فوائد «الاسْتيعَاب» لابن عبد البر‏,‏ لولا ما شَانهُ بذكر ما شَجرَ بين الصَّحابة‏,‏ وحِكَايته عن الأخْبَاريين‏,‏ وقد جَمَعَ الشَّيْخ ابن الأثِير الجَزَري في الصَّحابة كتابًا حَسَنًا‏,‏ جمعَ كُتبًا كَثِيرة‏,‏ وضَبطَ وحقَّق أشْيَاء حَسَنةً‏,‏ وقد اختصرته بحمد الله‏.‏

النَّوع التَّاسع والثَّلاثُون‏:‏ مَعْرفة الصَّحابة رضي الله عنهم‏.‏

هذا علمٌ كبير جليلٌ‏,‏ عظيم الفَائدة‏,‏ فبه يُعرف المُتَّصل من المُرْسل‏.‏

وفيه كُتب كثيرة مُؤلفة‏,‏ ككتاب «الصَّحابة» لابن حبَّان‏,‏ وهو مُختصر في مُجلد‏,‏ وكتاب أبي عبد الله بن مَنْده‏,‏ وهو كبير جليل‏,‏ وذيَّل عليه أبو مُوسى المَدِيني‏,‏ وكتاب أبي نُعيم الأصْبَهاني‏,‏ وكتاب العَسْكري‏.‏

ومن أحسَنها وأكْثَرها فوائد «الاستيعاب» لابن عبد البَر‏,‏ لولا ما شَانهُ بذكر ما شَجَر بين الصَّحابة‏,‏ وحكايته عن الأخباريين والغالب عليهم الإكثار والتخليط فيما يروونه‏,‏ وذيَّل عليه ابن فَتْحُون‏.‏

قال المُصنِّف زيادة على ابن الصَّلاح‏:‏ وقد جمع الشَّيْخ أبو الحسن علي بن مُحمَّد بن الأثير الجَزَري في الصَّحَابة كتابًا حسنًا سمَّاه «أُسد الغابة» جمع فيه كتبا كثيرة وهي كتاب ابن منده‏,‏ وأبي موسى‏,‏ وأبي نُعيم‏,‏ وابن عبد البر‏,‏ وزاد من غيرها أسماء في هذا وضبط وحقق أشياء حسنة على ما فيه من التِّكْرار بحسب الاختلاف في الاسم أو الكنية‏.‏

قال المُصنِّف‏:‏ وقد اختصرتهُ بحمدِ الله ولم يشتهر هذا المُخْتصر‏,‏ وقد اختصرهُ الذَّهَبي أيضًا في كتابٍ لَطِيف سَمَّاه «التجريد» ولشيخ الإسْلام في ذلك «الإصابة في تمييز الصَّحابة» كتاب حافل‏,‏ وقد اختصرته ولله الحمد‏.‏

فائدة‏:‏

قول المُصنِّف‏:‏ الأخباريين‏,‏ جمع أخباري‏,‏ عدَّه ابن هِشَام من لحن العُلماء‏,‏ وقال‏:‏ الصَّواب الخبري‏,‏ أي‏:‏ لأنَّ النِّسبة إلى الجمع تُرد إلى الواحد‏,‏ كما تقرَّر في علم التصريف‏,‏ تقول في الفرائض‏:‏ فرضي‏,‏ ونكتته أنَّ المراد النسبة إلى هذا النَّوع وخُصوصية الجمع مُلغاة‏,‏ مع أنَّها مؤدية إلى النَّقل‏.‏

قال‏:‏ ومن اللَّحن أيضًا قولهم‏:‏ لا يُؤخذ العلم من صُحفي بضمتين‏,‏ والصَّواب بفتحتين ردًّا إلى صحيفة‏,‏ ثمَّ فعل بها ما فعل بحنيفة‏.‏

فروعٌ‏:‏ أحدهَا‏:‏ اخْتُلفَ في حدِّ الصَّحَابي‏,‏ فالمَعْرُوف عندَ المُحدِّثين أنَّه كل مُسْلم رأى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فُروعٌ‏:‏ أحدها‏:‏ اختلف في حدِّ الصَّحابي‏,‏ فالمعروف عند المُحدِّثين أنَّه كل مسلم رأى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كذا قال ابن الصَّلاح‏,‏ ونقله عن البُخَاري وغيره‏.‏

وأورد عليه‏:‏ إن كان فاعل الرؤية الرَّائي الأعمى‏,‏ كابن أمِّ مَكْتُوم ونحوه‏,‏ فهو صحابي بلا خلاف‏,‏ ولا رؤية له‏.‏

ومن رآه كافرًا‏,‏ ثمَّ أسلم بعد موته‏,‏ كرسول قَيْصر‏,‏ فلا صُحبة له‏.‏

ومن رآه بعد موته صلى الله عليه وسلم قبل الدَّفن‏,‏ وقد وقع ذلك لأبي ذؤيب خُويلد بن خالد الهذلي‏,‏ فإنَّه لا صُحبة له‏.‏

وإن كان فاعلها رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دخل فيه جميع الأمة‏,‏ فإنَّه كُشف له عنهم ليلة الإسراء وغيرها‏,‏ ورآهم‏.‏

وأُوردُ عليه أيضًا‏:‏ من صحبه‏,‏ ثمَّ ارتدَّ‏,‏ كابن خطل ونحوه‏,‏ فالأوْلَى أن يُقَال‏:‏ من لَقِي النَّبي صلى الله عليه وسلم مُسْلمًا ومات على إسْلامهِ‏.‏

أمَّا من ارتدَّ بعده‏,‏ ثمَّ أسلم ومات مُسلمًا‏,‏ فقال العِرَاقي‏:‏ في دخوله فيهم نظر‏,‏ فقد نصَّ الشَّافعي وأبو حنيفة على أنَّ الردة مُحبطة للعمل‏.‏

قال‏:‏ والظَّاهر أنَّها مُحْبطة للصُّحبة السَّابقة‏,‏ كقُرَّة بن هبيرة‏,‏ والأشْعَث بن قيس‏,‏ أمَّا من رجع إلى الإسْلام في حياته‏,‏ كعبد الله بن أبي سَرْح‏,‏ فلا مَانعَ من دخوله في الصُّحْبة‏,‏ وجزمَ شيخ الإسْلام في هذا‏,‏ والَّذي قبله ببقاء اسم الصُّحبة له‏.‏

قال‏:‏ وهل يُشترط لقيه في حال النُّبوة‏,‏ أو أعم من ذلك حتَّى يدخل من رآه قبلها ومات على الحَنِيفية‏,‏ كزيد بن عَمرو بن نُفيل‏,‏ وقد عدَّه ابن منده في الصَّحابة‏,‏ وكذا لو رآه قبلها‏,‏ ثمَّ أدرك البعثة وأسلم ولم يره‏.‏

قال العِرَاقي‏:‏ ولم أر من تعرَّض لذلك‏.‏

قال‏:‏ ويدل على اعتبار الرُّؤية بعد النُّبوة ذكرهم في الصَّحابة ولده إبْرَاهيم‏,‏ دون من مات قبلها كالقاسم‏.‏

قال‏:‏ وهل يُشترط في الرَّائي التَّمييز‏,‏ حتَّى لا يدخل من رآه وهو لا يعقل‏,‏ والأطفال الذين حنَّكهُم ولم يروه بعد التَّمييز‏,‏ أو لا يشترط‏,‏ لم يذكروه أيضًا‏,‏ إلاَّ أن العلائي قال في «المراسيل»‏:‏ عبد الله بن الحارث بن نوفل‏,‏ حنَّكه النَّبي صلى الله عليه وسلم ودعا له‏,‏ ولا صحبة له‏,‏ بل ولا رؤية أيضًا‏,‏ وكذا قال في عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري‏:‏ حنَّكه ودعا له‏,‏ وما تعرف له رؤية‏,‏ بل هو تابعي‏.‏

وقال في «النُّكت»‏:‏ ظاهر كلام الأئمة ابن مَعِين‏,‏ وأبي زُرْعة‏,‏ وأبي حاتم‏,‏ وأبي داود‏,‏ وغيرهم اشتراطه‏,‏ فإنَّهم لم يثبتوا الصُّحْبة لأطفال حنَّكهم النَّبي صلى الله عليه وسلم، أو مسح وجوههُم‏,‏ أو تفلَ في أفواههم‏,‏ كمُحمَّد بن حاطب‏,‏ وعبد الرَّحمن بن عُثمان التَّميمي‏,‏ وعُبيد الله بن مَعْمر‏,‏ ونحوهم‏.‏

قال‏:‏ ولا يُشْترط البُلوغ على الصَّحيح‏,‏ وإلاَّ لخرجَ من أجمعَ على عدِّه في الصَّحابة‏,‏ كالحسن‏,‏ والحسين‏,‏ وابن الزُّبير‏,‏ ونحوهم‏.‏

قال‏:‏ والظَّاهر اشْتراط رُؤيته في عالم الشَّهادة‏,‏ فلا يُطلق اسم الصُّحبة على من رآه من الملائكة والنَّبين‏.‏

قال‏:‏ وقد استشكلَ ابن الأثَير مُؤمنى الجن في الصَّحابة‏,‏ دونَ من رآه من الملائكة‏,‏ وهم أولى بالذِّكر من هؤلاء‏.‏

قال‏:‏ وليس كما زعم‏,‏ لأنَّ الجن من جُملة المُكلَّفين الَّذين شملتهم الرِّسالة والبعثة‏,‏ فكان ذكر من عُرف اسمه‏,‏ مِمَّن رآه حسنًا‏,‏ بخلاف الملائكة‏.‏

وقال‏:‏ وإذا نزل عيسى صلى الله عليه وسلم، وحكمَ بشرعهِ‏,‏ فهل يُطلق عليه اسم الصُّحبة‏,‏ لأنَّه ثبت أنَّه رآه في الأرض‏,‏ الظَّاهر نعم‏.‏ انتهى‏.‏

وعَنْ أصْحَاب الأصُول‏,‏ أو بَعْضهم‏:‏ أنَّهُ من طَالَت مُجَالسته على طريق التَّبَع‏.‏

وعن أصحاب الأصُول‏,‏ أو بعضه‏:‏ أنَّه من طالت مُجَالسته له على طريق التَّبع له والأخذ عنه‏,‏ بخلاف من وفد عليه وانصرف بلا مُصَاحبة‏,‏ ولا مُتَابعة‏,‏ قالوا‏:‏ وذلك معنى الصَّحابي لُغة‏.‏

ورُدَّ بإجْمَاع أهل اللُّغة‏,‏ على أنَّه مُشْتقٌّ من الصُّحبة‏,‏ لا من قدر منها مَخْصُوص‏,‏ وذلك يُطلق على كلِّ من صحب غيره‏,‏ قليلاً كانَ أو كثيرًا‏,‏ يُقال‏:‏ صحبتُ فُلانًا حولاً‏,‏ وشَهْرًا‏,‏ ويومًا‏,‏ وساعة‏.‏

وقولُ المُصنِّف‏:‏ أو بعضهم‏,‏ من زيادته‏,‏ لأنَّ كثيرًا منهم مُوافقون لمَا تقدَّم نقله عن أهل الحديث‏,‏ وصحَّحه الآمدي وابن الحاجب‏,‏ وعن بعض أهل الحديث مُوافقة ما ذكر عن أهل الأصُول‏,‏ لما رواه ابن سعد بسند جيِّد في «الطبقات» عن علي بن محمَّد‏,‏ عن شُعْبة‏,‏ عن مُوسَى السَّيلاني قال‏:‏ أتيتُ أنس بن مالك فقلت له‏:‏ أنت آخر من بَقِي من أصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ قد بَقِي قومٌ من الأعْرَاب‏,‏ فأمَّا من أصْحَابه‏,‏ فأنا آخر من بقي‏.‏

قال العِرَاقي‏:‏ والجواب أنَّه أراد إثبات صُحْبة خاصة ليست لأولئك‏.‏

وعَنْ سَعِيد بن المُسَيب‏:‏ أنَّه لا يُعدُّ صَحابيًا إلاَّ من أقَامَ مع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سنةً‏,‏ أو سَنَتينِ‏,‏ أو غَزَا معهُ غَزْوةً‏,‏ أو غَزْوتينِ‏,‏ فإن صحَّ عنهُ فضعيفٌ‏,‏ فإنَّ مُقْتضاهُ أن لا يُعد جَرِير البَجَلي وشبههُ صَحَابيًا‏,‏ ولا خِلافَ أنَّهم صَحَابةٌ‏.‏

وعن سعيد بن المُسيب‏:‏ أنَّه كان لا يعد صحابيا إلاَّ من أقام مع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سَنَة‏,‏ أو سنتين‏,‏ أو غزا معهُ‏,‏ غزوة‏,‏ أو غزوتين‏.‏

ووجهه أنَّ لصُحبته صلى الله عليه وسلم شرفًا عَظيمًا‏,‏ فلا تُنال إلاَّ بإجتماعٍ طويل‏,‏ يظهر فيه الخُلق المطبوع عليه الشَّخص‏,‏ كالغزو المُشتمل على السَّفر الَّذي هو قِطْعة من العذاب‏,‏ والسَّنة المشتملة على الفصول الأربعة‏,‏ الَّتي يختلف بها المزاج‏.‏

فإن صحَّ هذا القول عنه فضعيف‏,‏ فإن مُقتضاه أن لا يُعد جرير بن عبد الله البَجَلي وشبهه مِمَّن فقد ما اشترطه‏,‏ كوائل بن حُجْر صحابيا‏,‏ ولا خلاف أنَّهم صحابة‏.‏

قال العِرَاقي‏:‏ ولا يصح هذا عن ابن المُسيب‏,‏ ففي الإسناد إليه محمَّد بن عُمر الواقدي‏,‏ ضعيف في الحديث‏.‏

وقال‏:‏ وقد اعْتُرض بأنَّ جريرًا أسلمَ في أوَّل البِعْثة‏,‏ لما روى الطَّبراني عنه قال‏:‏ لمَّا بُعث النَّبي صلى الله عليه وسلم أتيتهُ لأُبايعه‏,‏ فقال‏:‏ «لأي شيء جئتَ يا جَرير‏؟‏» قال‏:‏ جئتُ لأسُلم على يديك‏,‏ فدعَاني إلى‏:‏ «شَهَادة أن لا إله إلاَّ الله، وأنِّي رَسُول الله، وتقيم الصَّلاة المَكْتُوبة‏,‏ وتُؤتي الزَّكاة المَفْروضة»‏.‏ الحديث‏.‏

قال‏:‏ والجَوَاب‏:‏ أنَّ الحديث غير صحيح‏,‏ فإنَّه من رِوَاية الحُصَين بن عُمر الأحمسي‏,‏ وهو مُنكر الحديث‏,‏ ولو ثبت فلا دليلَ فيه‏,‏ لأنَّه لا يلزم الفَوْرية في جوابه‏,‏ بدليل ذِكْر الصَّلاة والزَّكاة‏,‏ وفرضهما مُتراخ عن البِعْثة‏.‏

والصَّواب ما ثبتَ عنهُ أنَّه قال‏:‏ ما أسلمتُ إلاَّ بعد نُزُول المائدة‏,‏ رواه أبو داود وغيره‏,‏ وفي «تاريخ البُخَاري الكبير»‏:‏ أنَّه أسْلمَ عام توفَّى النَّبي صلى الله عليه وسلم، وكذا قال الواقدي‏,‏ وابن حبَّان‏,‏ والخطيب‏,‏ وغيرهم‏.‏

فائدة‏:‏

في حدِّ الصَّحَابي قول رابع‏:‏ أنَّه من طالت صُحبته‏,‏ وروى عنه‏,‏ قاله الحافظ‏.‏

وخامس‏:‏ أنَّه من رآه بالغًا‏,‏ حَكَاهُ الواقدي‏,‏ وهو شاذٌّ كما تقدَّم‏.‏

وسادسٌ‏:‏ أنَّه من أدرك زمنه صلى الله عليه وسلم وهو مسلم وإن لم يره‏,‏ قاله يحيى بن عُثْمان بن صالح المصري‏,‏ وعُدَّ من ذلك عبد الله بن مالك الجَيْشاني أبا تميم‏,‏ ولم يرحل إلى المَدِينة إلاَّ في خِلافة عُمر‏,‏ باتِّفاق أهل السِّير‏,‏ ومِمَّن حكى هذا القول القَرَافي في «شرح التنقيح»‏.‏

وكذا من حُكم بإسْلامه تبعًا لأبويه‏,‏ وعليه عمل ابن عبد البر وابن مَنْده في كتابيهما‏.‏

وشَرطَ المَاوردي في الصَّحابي أن يتخصَّص بالرَّسُول صلى الله عليه وسلم، ويتخصَّص به الرَّسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

ثمَّ تُعرفُ صُحبتهُ بالتَّواترِ والاسْتفَاضة‏,‏ أو قَوْل صَحَابي‏,‏ أو قَوْلهِ إذَا كانَ عَدْلا‏.‏

ثمَّ تُعرف صُحبته إمَّا بالتَّواتر كأبي بَكْر‏,‏ وعُمر‏,‏ وبقية العشرة‏,‏ في خلق منهم‏.‏

أو الاستفاضة والشُّهرة القاصرة عن التَّواتر‏,‏ كضِمَام بن ثعلبة‏,‏ وعكاشة بن محصن‏.‏

أو قول صَحَابي عنه أنَّه صحابي‏,‏ كحممة بن أبي حممة الدَّوسي الَّذي مات بأصْبهان مَبْطونًا‏,‏ فشهدَ له أبو مُوسى الأشْعري‏,‏ أنَّه سمعَ النَّبي صلى الله عليه وسلم حكم له بالَّشهادة‏,‏ ذكر ذلك أبو نُعيم في «تاريخ أصبهان» وروينا قِصَّته في «مسند» الطَّيالسي و«معجم» الطَّبراني‏.‏

وزاد شيخ الإسْلام ابن حجر بعد هذا أن يُخبر آحاد التَّابعين بأنَّه صحابي‏,‏ بناء على قَبُول التَّزكية من واحد‏,‏ وهو الرَّاجح‏.‏

أو قوله هو‏:‏ أنا صحابي إذا كان عدلا إذا أمكن ذلك‏,‏ فإن ادَّعاه بعد مئة سَنَة من وفاته صلى الله عليه وسلم، فإنَّه لا يُقبل‏,‏ وإن ثبتت عدالته قبل ذلك‏,‏ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث‏:‏ «أرأيتكُم ليلتكُم هذه‏,‏ فإنَّه على رأسِ مئة سَنَة لم يبقَ أحدٌ على ظَهْرِ الأرض»‏.‏ يُريد انْخرام ذلك القَرْن‏,‏ قال ذلك سَنَة وفاته صلى الله عليه وسلم‏.‏

وشرط الأُصوليون في قبوله أن تُعرف مُعَاصرته له‏,‏ وفي أصل المَسْألة احتمال أنَّه لا يصدق‏,‏ لكونه مُتهما بدعوى رُتبة يُثبتها لنفسه‏,‏ وبهذا جزم الآمدي‏,‏ ورجَّحه أبو الحسن بن القطَّان‏.‏

فائدة‏:‏

قال الذَّهَبي في «الميزان»‏:‏ رتن الهندي‏,‏ وما أدراك ما رتن‏,‏ شيخٌ دجَّال بلا ريب‏,‏ ظهر بعد الست مئة‏,‏ فادَّعى الصُّحْبة‏,‏ وهذا جريء على الله ورَسُوله‏,‏ وقد ألَّفت في أمره جُزءًا‏.‏

الثَّاني‏:‏ الصَّحَابةُ كلُّهم عُدولٌ‏,‏ من لابسَ الفِتنَ وغيرهُم‏,‏ بإجْمَاعِ من يُعتدُّ بهِ‏.‏

الثَّاني‏:‏ الصَّحَابةُ كلُّهم عُدولٌ‏,‏ من لابسَ الفِتنَ وغيرهُم‏,‏ بإجْمَاعِ من يُعتدُّ بهِ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 143‏]‏ الآية‏,‏ أي‏:‏ عدولا‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 110‏]‏ والخِطَاب فيها للموجُودين حينئذ‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «خَيْرُ النَّاس قَرْني‏.‏‏.‏‏.‏» رواه الشَّيخان‏.‏

قال إمام الحرمين‏:‏ والسَّبب في عدم الفحص عن عدالتهم‏,‏ أنَّهم حملةُ الشَّريعة‏,‏ فلو ثبت توقف في روايتهم‏,‏ لانحصرت الشَّريعة على عصره صلى الله عليه وسلم، ولما استرسلت على سائر الأعصار‏.‏

وقيلَ‏:‏ يجب البحثُ عن عدالتهم مُطلقًا‏.‏

وقيلَ‏:‏ بعد وقُوع الفِتن‏.‏

وقالت المُعتزلة‏:‏ عدولٌ‏,‏ إلاَّ من قاتل عليًّا‏.‏

وقيلَ‏:‏ إذا انفرد‏.‏

وقيلَ‏:‏ إلاَّ المُقاتِلُ والمُقَاتَلُ‏.‏

وهذا كله ليس بصواب‏,‏ إحسانًا للظَّن بهم‏,‏ وحملاً لهم في ذلك على الاجتهاد المأجور فيه كل منهم‏.‏

وقال المازري في شرح البرهان‏:‏ لسنا نعني بقولنا‏:‏ الصَّحَابة عدول‏,‏ كل من رآه صلى الله عليه وسلم يومًا ما‏,‏ أو زارهُ لماما‏,‏ أو اجتمع به لغرض وانصرف‏,‏ وإنَّما نعني به الَّذين لازموه وعزَّروه ونصروه‏.‏

قال العلائي‏:‏ وهذا قولٌ غريب‏,‏ يُخرج كثيرَا من المشهورين بالصُّحبة والرِّواية عن الحُكم بالعدالة‏,‏ كوائل بن حُجْر‏,‏ ومالك بن الحُويرث‏,‏ وعثمان بن أبي العاص‏,‏ وغيرهم‏,‏ مِمَّن وفدَ عليه صلى الله عليه وسلم ولم يقم عندهُ إلاَّ قليلاً وانصرف‏,‏ وكذلك من لم يُعرف إلاَّ برواية الحديث الواحد‏,‏ ومن لم يُعرف مقدار إقامته من أعراب القبائل‏,‏ والقول بالتعميم هو الَّذي صرَّح به الجمهور‏,‏ وهو المعتبر‏.‏

وأكْثرُهم حديثًا أبو هُريرة‏,‏ ثمَّ ابن عُمر‏,‏ وابن عبَّاس‏,‏ وجَابر بن عبد الله‏,‏ وأنس بن مالك‏,‏ وعَائشة‏.‏

وأكثرهم حديثًا أبو هُرَيرة روى خمسة آلاف وثلاث مئة وأربعة وسبعين حديثًا‏.‏

اتَّفق الشَّيخان منها على ثلاث مئة وخمسة وعشرين‏,‏ وانفرد البُخَاري بثلاثة وتسعين‏,‏ ومسلم بمئة وتسعة وثمانين‏,‏ وروى عنه أكثر من ثمان مئة رجل‏,‏ وهو أحفظ الصَّحَابة‏.‏

قال الشَّافعي‏:‏ أبو هُريرة أحفظ من روى الحديث في دهره‏.‏ أسنده البَيْهقي في «المدخل»‏.‏

وكان ابن عُمر يترحَّم عليه في جنازته ويقول‏:‏ كان يحفظ على المُسلمين حديث النَّبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ رواه ابن سعد‏.‏

وفي «الصَّحيح» عنه قال‏:‏ قلتُ يا رَسُول الله إنِّي أسمعُ منكَ حديثًا كثيرًا أنْسَاهُ‏,‏ قال‏:‏ أبْسُط رِدَاءكَ‏,‏ فبَسطتهُ‏,‏ فغرف بيديه ثمَّ قال‏:‏ «ضُمَّه» فما نسيتُ شيئًا بعد‏.‏

وفي «المُسْتدرك» عن زيد بن ثابت قال‏:‏ كنتُ أنا وأبو هُريرة وآخر عند النَّبي صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ «ادعُوا»‏.‏ فدَعوتُ أنا وصَاحبي‏,‏ وأمَّن النَّبي صلى الله عليه وسلم، ثمَّ دعا أبو هُريرة فقال‏:‏ اللهمَّ إنِّي أسألك مثل ما سألكَ صاحباي‏,‏ وأسألك علمًا لا يُنسى‏,‏ فأمَّن النَّبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا‏:‏ ونحن يا رَسُول الله كذلك‏,‏ فقال‏:‏ «سَبقكما الغُلام الدَّوسي»‏.‏

ثمَّ عبد الله ابن عُمر روى ألفي حديث وست مئة وثلاثين حديثًا‏.‏

وابن عبَّاس روى ألفًا وست مئة وستين حديثًا‏.‏

وجابر بن عبد الله روى ألفًا وخمس مئة وأربعين حديثًا‏.‏

وأنس بن مالك روى ألفين ومئتين وستا وثمانين حديثًا‏.‏

وعائشة أم المؤمنين روت ألفين ومئتين وعشرة‏.‏

وليس في الصَّحابة من يزيد حديثه على ألف غير هؤلاء‏,‏ إلاَّ أبا سعيد الخُدْري‏,‏ فإنَّه روى ألفًا ومئة وسبعين حديثًا‏.‏

فائدة‏:‏

السَّبب في قِلَّة ما رُوي عن أبي بكر الصِّديق رضي الله عنه مع تَقْديمه وسبقه ومُلازمته للنَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه تقدَّمت وفاته قبل انتشار الحديث‏,‏ واعتناء النَّاس بسماعه‏,‏ وتحصيله‏,‏ وحفظه‏,‏ ذكره المُصنِّف في «تهذيبه»‏.‏

قال‏:‏ وجُملة ما رُويَ له مئة حديث واثْنَان وأربعون حديثًا‏.‏

وأكثرهُم فُتْيا تُرْوَى ابن عبَّاس‏,‏ وعن مَسْرُوق قال‏:‏ انْتَهَى علمُ الصَّحَابة إلى ستَّة‏:‏ عُمر‏,‏ وعلي‏,‏ وأُبي‏,‏ وزيد‏,‏ وأبي الدَّرداء‏,‏ وابن مَسْعُود‏,‏ ثمَّ انْتهَى علمُ السِّتة إلى علي وعبد الله‏.‏

وأكثرهُم فُتيا تروى عنه ابن عبَّاس قاله أحمد بن حنبل‏.‏

وعن مسروق أنَّه قال‏:‏ انتهى علم الصَّحابة إلى ستة‏:‏ عُمر‏,‏ وعلي‏,‏ وأُبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبي الدَّرداء‏,‏ وابن مسعود‏,‏ ثمَّ انتهى علمُ السِّتة إلى علي‏,‏ وعبد الله بن مسعود‏.‏

ورَوَى الشَّعبي عنهُ نحوه أيضًا‏,‏ إلاَّ أنَّه ذكر أبا مُوسى الأشْعَري‏,‏ بدل أبي الدَّرداء‏,‏ وقد اسْتُشكل بأنَّ أبا مُوسى وزيد بن ثابت تأخَّرت وفاتهما عن ابن مَسْعُود وعلي‏,‏ فكيفَ انتهى علمُ السِّتة إلى ابن مَسْعُود وعلي‏؟‏

قال العِرَاقي‏:‏ وقد يُجاب بأنَّ المُراد‏:‏ ضمَّا علمهم إلى علمهما‏,‏ وإن تأخَّرت وفاة من ذكر‏.‏

وقال الشَّعبي‏:‏ كان العلم يُؤخذ عن سِتَّة من أصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عُمر‏,‏ وعبد الله‏,‏ وزيد‏,‏ يشبه علم بعضهم بعضًا‏,‏ وكان يقتبس بعضهم من بعض‏,‏ وكان علي والأشْعَري وأُبي يُشبه علم بعضهم بعضًا‏,‏ وكان يقتبس بعضهم من بعض‏.‏

وقال ابن حزم‏:‏ أكثر الصَّحَابة فتوَى مُطلقًا سبعة‏:‏ عُمر‏,‏ وعلي‏,‏ وابن مسعود‏,‏ وابن عُمر‏,‏ وابن عبَّاس‏,‏ وزيد بن ثابت‏,‏ وعائشة‏.‏

قال‏:‏ ويُمكن أن يُجمع من فُتيا كل واحد من هؤلاء مُجلَّد ضخم‏.‏

قال‏:‏ ويليهم عشرُون‏:‏ أبو بَكْر‏,‏ وعُثمان‏,‏ وأبو مُوسى‏,‏ ومُعَاذ‏,‏ وسعد بن أبي وقَّاص‏,‏ وأبو هُريرة‏,‏ وأنس‏,‏ وعبد الله بن عَمرو بن العَاص‏,‏ وسَلْمان‏,‏ وجابر‏,‏ وأبو سعيد‏,‏ وطلحة‏,‏ والزُّبير‏,‏ وعبد الرَّحمن بن عوف‏,‏ وعِمْران بن حُصين‏,‏ وأبو بَكْرة‏,‏ وعُبَادة بن الصَّامت‏,‏ ومُعَاوية‏,‏ وابن الزُّبَير‏,‏ وأم سلمة‏.‏

قال‏:‏ ويُمكن أن يُجمع من فُتيا كل واحد منهم جُزء صغير‏.‏

قال‏:‏ وفي الصَّحابة نحو من مئة وعشرين نفسًا يقلون في الفتيا جدًّا‏,‏ لا يُروى عن الواحد منهم إلاَّ المسألة والمسألتان والثلاث‏,‏ كأُبي بن كعب‏,‏ وأبي الدَّرداء‏,‏ وأبي طَلْحة‏,‏ والمِقْداد‏,‏ وسرد البَاقين‏.‏

ومن الصَّحابة العَبَادلة‏,‏ وهُمْ‏:‏ ابن عُمر‏,‏ وابن عبَّاس‏,‏ وابن الزُّبير‏,‏ وابن عَمرو بن العَاص‏,‏ وليس ابن مسعود منهم‏.‏

ومن الصَّحابة العَبَادلة وهم أربعة‏:‏ عبد الله بن عُمر بن الخَطَّاب و عبد الله بن عبَّاس و عبد الله بن الزُّبير و عبد الله بن عَمرو بن العَاص‏,‏ وليس ابن مَسْعُود منهم قاله‏:‏ أحمد بن حنبل‏.‏

قال البَيْهقي‏:‏ لأنَّه تقدَّم موته‏,‏ وهؤلاء عاشُوا حتَّى احتيج إلى علمهم‏,‏ فإذا اجتمعوا على شيء فقيل‏:‏ هذا قول العَبَادلة‏.‏

وقيلَ‏:‏ هُمْ ثلاثة بإسْقَاط ابن الزُّبير‏,‏ وعليه اقتصر الجَوْهري في «الصِّحاح»‏.‏

وأمَّا ما حكاهُ المُصنِّف في «تهذيبه» عنهُ أنَّه ذكر ابن مَسْعود وأسقطَ ابن العاص فوهم‏.‏

نعم وقع للرَّافعي في «الديات» وللزَّمخشري في «المُفصَّل» أنَّ العَبَادلة‏:‏ ابن مسعود‏,‏ وابن عُمر‏,‏ وابن عبَّاس‏,‏ وغلطا في ذلك من حيث الاصطلاح‏.‏

وكذا سَائرُ من يُسمَّى عبد الله‏,‏ وهم نحو مئتين وعشرين‏,‏ قال أبو زُرْعة الرَّازي‏:‏ قُبضَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عن مئة ألف‏,‏ وأربعة عشرَ ألفًا من الصَّحابة مِمَّن روى عنه‏,‏ وسمعَ منهُ‏.‏

وكذا سائر من يسمَّى عبد الله من الصَّحابة لا يطلق عليهم العبادلة وهم نحو مئتين وعشرين نفسًا‏,‏ كذا قال ابن الصَّلاح أخذًا من «الاستيعاب» وزاد عليه ابن فتحون جماعة يبلغون بهم نحو ثلاث مئة رجل‏.‏

قال أبو زُرعة الرَّازي في جواب من قال له‏:‏ أليس يُقال‏:‏ حديث النَّبي صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف حديث‏؟‏ قال‏:‏ ومن قال ذا قلقل الله أنيابه‏,‏ هذا قولُ الزَّنادقة‏,‏ ومن يُحصي حديث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قُبض رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عن مئة ألف وأربعة عشر ألفًا من الصَّحابة‏,‏ مِمَّن روى عنه‏,‏ وسمع منه فقيل له‏:‏ هؤلاء أين كانوا‏,‏ وأين سمعوا‏؟‏ قال‏:‏ أهل المدينة‏,‏ وأهل مَكَّة‏,‏ ومن بينهما‏,‏ والأعراب‏,‏ ومن شهدَ معهُ حجَّة الوداع‏,‏ كل رآه وسمع منه بعرفة‏.‏

قال العِرَاقي‏:‏ وهذا القول عن أبي زُرْعة لم أقف له على إسنادٍ‏,‏ ولا هو في كُتب التواريخ المَشْهُورة‏,‏ وإنَّما ذكرهُ أبو مُوسى المَدِيني في ذَيْله بغير إسناد‏.‏

قلت‏:‏ أخرجه الخَطِيب بإسناده قال‏:‏ حدَّثني أبو القاسم الأزهري‏,‏ حدَّثنا عبد الله بن محمَّد بن محمَّد بن حمدان العكبري‏,‏ حدَّثنا أبو بكر بن عبد العزيز بن جعفر‏,‏ حدَّثنا أبو بكر أحمد بن محمَّد الخلاَّل‏,‏ حدثنا محمَّد بن أحمد بن جامع الرَّازي‏,‏ سمعتُ أبا زُرْعَة وقال له رَجُل‏:‏ أليس يقال‏.‏‏.‏‏.‏ فذكره بلفظه‏.‏

قال العِرَاقي‏:‏ وقريبٌ منهُ ما أسندهُ المَدِيني عنه قال‏:‏ توفَّى النَّبي صلى الله عليه وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مئة ألف إنسان‏,‏ من رجل وامرأة‏.‏ وهذا لا تحديد فيه‏,‏ وكيف يُمكن الاطلاع على تحرير ذلك‏,‏ مع تفرق الصَّحابة في البُلْدان والبَوَادي والقُرى‏,‏ وقد رَوَى البُخَاري في «صحيحه»‏:‏ أنَّ كعب بن مالك قال في قِصَّة تخلفه عن تبوك‏:‏ وأصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كثير لا يَجْمعهم كتابٌ حافظ‏.‏ بمعنى الدِّيوان‏.‏

قال العِرَاقي‏:‏ روى السَّاجي في المناقب بسند جيِّد عن الشَّافعي قال‏:‏ قُبضَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم والمُسْلمون سِتُون ألفًا‏,‏ ثلاثون ألفًا بالمَدِينة‏,‏ وثلاثون ألفًا في قبائل العرب‏,‏ وغير ذلك‏.‏

قال‏:‏ ومع هذا‏,‏ فجميع من صنَّف في الصَّحَابة لم يبلغ مجموع ما في تصانيفهم عشرة آلاف‏,‏ مع كونهم يَذْكُرون من توفَّي في حياته صلى الله عليه وسلم، ومن عَاصرهُ‏,‏ أو أدْركهُ صغيرًا‏.‏

واخْتُلف في عَدَد طَبَقاتهم‏,‏ وجعلهُم الحاكم اثْنَتي عشرةَ طَبَقةً‏.‏

واختُلف في عدد طبقاتهم باعتبار السَّبق إلى الإسلام‏,‏ أو الهجرة‏,‏ أو شُهود المشاهد الفاضلة‏,‏ فجعلهم ابن سعد خمس طبقات وجعلهم الحاكم اثنتي عشرة طبقة ‏:‏

الأولى‏:‏ قومٌ أسلموا بمكَّة‏,‏ كالخلفاء الأربعة‏.‏

والثَّانية‏:‏ أصْحَاب دار الندوة‏.‏

الثَّالثة‏:‏ مُهَاجرة الحبشة‏.‏

الرَّابعة‏:‏ أصحَاب العَقَبة الأولى‏.‏

الخَّامسة‏:‏ أصحاب العقبة الثَّانية‏,‏ وأكثرهم من الأنصار‏.‏

السَّادسة‏:‏ أوَّل المُهاجرين الَّذين وصلوا إليه بقباء قبل أن يدخلوا المدينة‏.‏

السَّابعة‏:‏ أهل بدر‏.‏

الثَّامنة‏:‏ الَّذين هاجروا بين بدر والحُديبية‏.‏

التَّاسعة‏:‏ أهلُ بيعة الرضوان‏.‏

العاشرة‏:‏ من هاجر بين الحُديبية وفتح مَكَّة‏,‏ كخالد بن الوليد‏,‏ وعَمرو بن العاص‏.‏

الحادي عشرة‏:‏ مُسْلمة الفتح‏.‏

الثانية عشرة‏:‏ صبيان وأطفال رأوه يوم الفتح‏,‏ وفي حجَّة الوداع وغيرها‏.‏

الثَّالثُ‏:‏ أفضَلُهم على الإطْلاقِ‏:‏ أبو بَكْر‏,‏ ثمَّ عُمر رَضِي الله عنهما بإجْمَاع أهل السُّنة‏.‏

الثَّالث‏:‏ أفضلهم على الإطْلاقِ‏:‏ أبو بكر‏,‏ ثمَّ عمر‏,‏ رضي الله عنهما بإجماع أهل السُّنة‏.‏

ومِمَّن حكى الإجماع على ذلك‏:‏ أبو العبَّاس القُرطبي‏,‏ قال‏:‏ ولا مُبَالاة بأقوال أهل التَّشيع‏,‏ ولا أهل البدع‏.‏

وكذلك حكى الشَّافعي إجماع الصَّحابة والتَّابعين على ذلك‏,‏ رواه عنهُ البَيْهقي في «الاعتقاد»‏.‏

وحكى المازري عن الخَطَّابية‏:‏ تفضيل عُمر‏,‏ وعن الشِّيعة‏:‏ تفضيل علي‏,‏ وعن الراوندية‏:‏ تفضيل العبَّاس‏,‏ وعن بعضهم الإمساك عن التفضيل‏.‏

وحكى الخَطَّابي عن بعض مشايخه أنَّه قال‏:‏ أبو بكر خير‏,‏ وعلي أفضل‏,‏ وهذا تهافت من القول‏.‏

وحكى القاضي عياض‏:‏ أنَّ ابن عبد البر وطائفة ذهبوا إلى أنَّ من مات منهم في حياته صلى الله عليه وسلم، أفضل مِمَّن بقي بعده لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أنَا شَهيدٌ على هؤلاء»‏.‏

قال المُصنِّف‏:‏ وهذا الإطلاق غير مرضي ولا مقبول‏.‏

ثمَّ عُثْمان‏,‏ ثمَّ عَلي‏,‏ هذا قول جمهُور أهل السُّنة‏,‏ وحكى الخَطَّابي عن أهل السُّنة من الكُوفة تَقْديم علي على عُثْمان‏,‏ وبه قال أبو بَكْر ابن خُزيمة‏,‏ قال أبو منصُور البَغْدادي‏:‏ أصحابنا مُجْمعون على أنَّ أفضلهم الخُلفاء الأرْبعة‏,‏ ثمَّ تمام العَشْرة‏,‏ ثمَّ أهلُ بَدْر‏.‏

ثمَّ عُثْمان‏,‏ ثمَّ علي‏,‏ هذا قول جمهور أهل السُّنة وإليه ذهب مالك‏,‏ والشَّافعي‏,‏ وأحمد‏,‏ وسفيان الثَّوري‏,‏ وكافة أهل الحديث والفِقْه‏,‏ والأشعري‏,‏ والباقلاني‏,‏ وكثير من المتكلمين‏.‏

لقول ابن عمر‏:‏ كُنَّا في زمن النَّبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدًا‏,‏ ثمَّ عُمر‏,‏ ثمَّ عُثمان‏.‏ رواه البُخَاري‏.‏

ورواه الطَّبراني بلفظ أصرح كما تقدَّم في نوع المرفوع‏.‏

وحكى الخَطَّابي عن أهل السُّنة من الكُوفة تقديم علي على عُثمان‏,‏ وبه قال أبو بكر بن خُزيمة‏.‏

وهو رواية عن سُفْيان الثَّوري‏,‏ ولكن آخر قوليه ما سبق‏.‏

وحكي عن مالك التَّوقف بينهما‏,‏ حكاه المازري عن المُدونة‏.‏

وقال القَاضي عياضٌ‏:‏ رجع مالك عن التوقف إلى تفضيل عُثمان‏.‏

قال القُرْطبي‏:‏ وهو الأصح إن شاء الله تعالى‏.‏

وتوقَّف أيضًا إمام الحرمين‏.‏

ثمَّ التفضيل عنده‏,‏ وعند البَاقلاني‏,‏ وصاحب «المفهم» ظنَِّي‏.‏

وقال الأشْعري‏:‏ قطعي‏.‏

قال أبو منصور عبد القاهر التميمي البغدادي‏:‏ أصحابنا مُجْمعون على أنَّ أفضلهم الخُلفاء الأربعة‏,‏ ثمَّ تمام العشرة المشهود لهم بالجنَّة‏:‏ سعد بن أبي وقَّاص وسعيد بن زيد بن عَمرو بن نُفيل‏,‏ وطلحة بن عُبيد الله‏,‏ والزُّبير بن العَوَّام‏,‏ وعبد الرَّحمن بن عَوْف‏,‏ وأبو عُبيدة بن الجَرَّاح‏.‏

ثمَّ أهلُ بدر وهم ثلاث مئة وبضعة عشر‏,‏ روى ابن ماجه عن رافع بن خديج قال‏:‏ جاء جبريل إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ما تعدون من شَهِدَ بدرًا فيكُم‏؟‏ قال‏:‏ «خِيَارنَا» قال‏:‏ كذلك عندنا هم خيار الملائكة‏.‏

ثمَّ أُحد‏,‏ ثمَّ بَيْعة الرِّضْوَان‏,‏ ومِمَّن لهم مزيةٌ أهل العَقَبتين‏,‏ من الأنْصَار والسَّابقون الأوَّلُون‏,‏ وهُمْ من صلَّى إلى القِبْلتين في قَوْل ابن المُسَيب وطائفة‏,‏ وفي قول الشَّعبي‏:‏ أهلُ بَيْعة الرِّضْوان‏,‏ وفي قول مُحمَّد بن كعب وعطاء‏:‏ أهلُ بَدْر‏.‏

ثمَّ أهل أُحد‏,‏ ثمَّ أهل بيعة الرِّضوان بالحديبية‏,‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يَدْخُل النَّار أحدٌ مِمَّن بايع تحتّ الشَّجرة»‏.‏ صحَّحه التِّرمذي‏.‏

ومِمَّن له مزيةٌ أهل العّقَبتين من الأنصار‏,‏ والسَّابقون الأوَّلون من المهاجرين والأنصار وهُمْ من صلَّى إلى القبلتين‏,‏ في قول سعيد بن المُسيب وطائفة منهم‏:‏ ابن الحنيفة‏,‏ وابن سيرين‏,‏ وقتادة‏.‏

وفي قول الشَّعبي‏:‏ أهل بيعة الرِّضوان‏.‏

وفي قول مُحمَّد بن كعب القُرظي وعطاء بن يَسَار‏:‏ أهل بدر روى ذلك سُنيد عنهما بسند فيه مجهول وضعيف‏,‏ وسنيد ضعيف أيضًا‏.‏

ورَوَى القولين السَّابقين عمَّن ذكر عبد بن حُميد في «تفسيره» وعبد الرزَّاق‏,‏ وسعيد بن منصور في «سُننه» بأسانيد صحيحة‏.‏

وروى سُنيد بسند صحيح إلى الحسن‏:‏ أنَّهم من أسلم قبل الفتح‏.‏

فوائد‏:‏

الأوَّل‏:‏ وردَ في أحاديث تَفْضيل أعيان من الصَّحابة‏,‏ كل واحد في أمر مَخْصُوص‏.‏

فرَوَى التِّرمذي عن أنس مرفوعًا‏:‏ «أرحم أُمَّتي بأُمَّتي أبو بكر‏,‏ وأشدُّهم في دين الله عُمر‏,‏ وأصدقُهُم حياء عُثْمان‏,‏ وأقْضَاهم علي‏,‏ وأعْلمهُم بالحَلال والحَرَام مُعاذ بن جبل‏,‏ وأفْرضهُم زيد بن ثابت‏,‏ وأقْرَؤهُم أُبي بن كعب‏,‏ ولُكلِّ أُمَّة أمين‏,‏ وأمينُ هذه الأُمَّة أبو عُبيدة بن الجَرَّاح»‏.‏

وروى التِّرمذي حديث‏:‏ «أفْرَضكُم زيد»‏.‏

وصحَّحه الحاكم بلفظ‏:‏ «أفْرض أُمَّتي زيد»‏.‏

الثَّانية‏:‏ اختلف في التَّفضيل بين فاطمة وعائشة‏,‏ على ثلاثة أقوال‏:‏ ثالثها الوقف‏,‏ والأصح تفضيل فاطمة‏,‏ فهي بضعة منه صلى الله عليه وسلم، وقد صحَّحه السُّبكي في «الحلبيات» وبالغ في تصحيحه‏.‏

وفي «الصَّحيح»‏:‏ «فاطمة سَيَّدة نساء هذه الأُمة»‏.‏

وروى النَّسائي عن حُذيفة‏,‏ أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «هذا مَلَكٌ من المَلائكة اسْتَأذن ربه ليُسَلِّم عليَّ‏,‏ وبَشَّرني أنَّ حسنًا وحُسينًا سيَّدا شَبَاب أهل الجنَّة‏,‏ وأمَّهما سيَّدة نساء أهل الجنَّة»‏.‏

وفي «مسند» الحارث بن أبي أُسامة بسند صحيح‏,‏ لكنَّه مرسل‏:‏ «مريم خيرُ نساء عالمها‏,‏ وفاطمة خير نساء عالمها»‏.‏

ورواه التِّرمذي موصولاً من حديث علي بلفظ‏:‏ «خيرُ نسائها مريم‏,‏ وخيرُ نسائها فاطمة»‏.‏

قال شيخ الإسلام‏:‏ والمُرسل يُفسِّر المُتَّصل‏.‏

الثَّالثة‏:‏ أفضل أزْوَاجه صلى الله عليه وسلم خديجة وعائشة‏.‏

وفي التَّفضيل بينهما أوجه حكاها المُصنِّف في الرَّوضة‏,‏ ثالثها الوقف‏.‏

واختار السُّبكي في الحلبيات تفضيل خديجة‏,‏ ثمَّ عائشة‏,‏ ثمَّ حفصة‏,‏ ثمَّ الباقيات سواء‏.‏

الرَّابع‏:‏ قيلَ‏:‏ أوَّلهم إسْلامًا أبو بَكْر‏,‏ وقيلَ‏:‏ عَلي‏.‏

الرَّابع‏:‏ قيل‏:‏ أولهم إسلاما أبو بكر الصِّديق‏,‏ قاله ابن عبَّاس‏,‏ وحسَّان‏,‏ والشَّعبي‏,‏ والنَّخعي في آخرين‏.‏

ويدلُّ له ما رواهُ مسلم عن عَمرو بن عَبسة في قِصَّة إسْلامه‏,‏ وقوله للنَّبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ من معك على هذا‏؟‏ قال‏:‏ « حُرٌّ وعبدٌ»‏.‏ قال‏:‏ ومعهُ يومئذ أبو بَكْر وبلالٌ‏,‏ مِمَّن آمن به‏.‏

وروى الحاكم في «المستدرك» من رواية مُجَالد بن سعيد قال‏:‏ سُئل الشَّعبي‏:‏ من أوَّل من أسلم‏؟‏ فقال‏:‏ أمَا سمعت قول حسَّان‏:‏

إذا تذكَّرت شجوًا من أخي ثقة *** فاذْكُر أخاكَ أبا بكر بما فعلا

خير البرية أتْقَاها وأعدلها *** بعد النَّبي وأوفاها بما حملا

والثَّاني التَّالي المحمود مشهدهُ *** وأوَّل النَّاس منهم صدَّق الرُّسلا

وروى الطَّبراني في «الكبير» عن الشَّعبي قال‏:‏ سألتُ ابن عبَّاس‏,‏ فذكره‏.‏

وروى التِّرمذي من رواية أبي نَضْرة عن أبي سعيد قال‏:‏ قال أبو بكر‏:‏ ألست أوَّل من أسلم‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

وقيلَ‏:‏ علي بن أبي طالب‏,‏ رواه الطَّبراني بسند صحيح عن ابن عبَّاس‏,‏ وبسند ضعيف عنه مرفوعًا‏.‏

ورواه التِّرمذي عنهُ من طريق أُخرى موقوفًا‏.‏

وروى الطَّبراني بسند فيه إسْمَاعيل السُّدي‏,‏ عن أبي ذرٍّ وسَلْمان قالا‏:‏ أخذ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بيد علي فقال‏:‏ «إنَّ هذا أوَّل من آمن بي» ورواه أيضًا عن سَلْمان‏.‏

وروى أحمد في «مسنده» بسند فيه مجهول وانقطاع عن علي مرفوعًا‏,‏ وروى بسند آخر عنه قال‏:‏ أنا أوَّل من صلَّى‏.‏

ورُوي ذلك أيضًا عن زيد بن أرقم والمِقْداد بن الأسْوَد‏,‏ وأبي أيُّوب‏,‏ وأنس‏,‏ ويعلى بن مُرَّة‏,‏ وعفيف الكِنْدي‏,‏ وخُزيمة بن ثابت‏,‏ وخبَّاب بن الأرت‏,‏ وجابر بن عبد الله‏,‏ وأبي سعيد الخُدْري‏.‏

وروى الحاكم في «المستدرك» من رواية مسلم المُلائي قال‏:‏ نبئ النَّبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين‏,‏ وأسلم علي يوم الثُّلاثاء‏.‏

وادَّعى الحاكم إجْمَاع أهل التاريخ عليه‏,‏ ونُوزعَ في ذلك‏.‏

وقال كعب بن زُهير في قَصيدة يمدحهُ فيها‏:‏

إنَّ عليا لميمون نقيبتهُ *** بالصَّالحات من الأعمال مشهورُ

صهرُ النَّبي وخير النَّاس مُفتخرا *** فكل من رامه بالفخر مفخورُ

صلَّى الطهور مع الأمِّي أوَّلهم *** قبلَ المعاد وربُّ النَّاس مكفورُ

وقيلَ‏:‏ زيدٌ‏,‏ وقيلَ‏:‏ خَديجةُ‏,‏ وهو الصَّواب عند جَمَاعة من المُحقِّقين‏,‏ وادَّعى الثَّعلبي فيه الإجْمَاع‏,‏ وأن الخِلاف فيمن بعدها‏.‏

وقيلَ‏:‏ زيد بن حارثة‏,‏ قاله الزُّهْري‏.‏

وقيلَ‏:‏ خديجة أم المؤمنين‏.‏

قال المُصنِّف زيادة على ابن الصَّلاح‏:‏ وهو الصَّواب عند جماعة من المُحقِّقين‏.‏

ورُوي ذلك عن ابن عبَّاس والزُّهْري أيضًا‏,‏ وهو قول قَتَادة وابن إسْحَاق وادَّعى الثَّعْلبي فيه الإجماع‏,‏ وأنَّ الخِلاف فيمن بعدهَا‏.‏

ورواه أحمد في «مسنده» والطَّبراني عن ابن عبَّاس‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ اتَّفقوا على أنَّ خديجة أوَّل من آمن‏,‏ ثمَّ علي بعدها‏,‏ ثمَّ ذكر أنَّ الصَّحيح‏:‏ أنَّ أبا بكر أوَّل من أظهر إسلامه‏.‏

ثمَّ رُوي عن محمَّد بن كعب القُرَظي‏:‏ أنَّ عليا أخفى إسْلامه من أبي طالب‏,‏ وأظهر أبو بكر إسْلامه‏,‏ ولذلك شُبِّه على النَّاس‏.‏

وروى الطَّبراني في «الكبير» من رواية محمَّد بن عُبيد الله بن أبي رافع‏,‏ عن أبيه‏,‏ عن جدِّه قال‏:‏ صلَّى النَّبي صلى الله عليه وسلم غداةَ الاثنين‏,‏ وصلَّت خديجة يوم الاثنين من آخر النهَّار‏,‏ وصلَّى علي يوم الثلاثاء‏.‏

وقال ابن إسْحَاق‏:‏ أوَّل من آمن خديجة‏,‏ ثمَّ علي‏,‏ ثمَّ زيد بن حارثة‏,‏ ثمَّ أبو بكر‏,‏ فأظهر إسلامه ودعا إلى الله‏,‏ فأسلم بِدُعائه عُثمان بن عفَّان‏,‏ والزُّبير بن العَوَّام‏,‏ وعبد الرَّحمن بن عَوْف‏,‏ وسعد بن أبي وقَّاص‏,‏ وطَلْحة بن عُبيد الله‏,‏ فكان هؤلاء الثَّمانية الَّذين سبقوا إلى الإسْلام‏.‏

وذكر عُمر بن شبَّة‏:‏ أنَّ خالد بن سعيد بن العاص أسْلمَ قبل علي‏.‏

وقال غيره‏:‏ إنَّه أوَّلهم إسلامًا‏.‏

وحكى المَسْعُودي قولاً‏:‏ أنَّ أوَّلهم خبَّاب بن الأرت‏,‏ وآخر‏:‏ أنَّ أوَّلهم بلال‏.‏

ونقل الماوردي في «أعلام النبوة» عن ابن قُتيبة‏:‏ أنَّ أوَّل من آمن أبو بكر بن أسعد الحميري‏.‏

ونقل ابن سبع في الخصائص عن عبد الرَّحمن بن عوف‏,‏ أنَّه قال‏:‏ كنتُ أوَّلهم إسلامًا‏.‏

وقال العِرَاقي‏:‏ ينبغي أن يُقَال‏:‏ إنَّ أوَّل من آمن من الرِّجال‏:‏ ورقة بن نوفل‏,‏ لحديث «الصَّحيحين» في بدء الوَحْي‏.‏

والأوْرَعُ أن يُقال‏:‏ من الرِّجَال الأحْرَار أبو بَكْر‏,‏ ومن الصِّبْيان علي‏,‏ ومن النِّساء خَديجة‏,‏ ومن المَوَالي زيد‏,‏ ومن العَبِيد بلال‏,‏ وآخرهم مَوْتًا أبو الطُّفيل‏,‏ مات سَنَة مئة‏.‏

قال ابن الصَّلاح وتبعه المُصنِّف‏:‏ والأورع أن يقال‏:‏ أوَّل من أسْلم من الرِّجَال الأحرار أبو بكر‏,‏ ومن الصِّبيان علي‏,‏ ومن النِّساء خديجة‏,‏ ومن المَوَالي زيد‏,‏ ومن العَبِيد بلال‏.‏

قال البرماوي‏:‏ ويُحكى هذا الجمع عن أبي حنيفة‏.‏

قال ابن خالويه‏:‏ وأوَّل امرأة أسْلمت بعد خَديجة لُبَابة بنت الحارث زوجة العَبَّاس‏.‏

وآخرهم أي الصَّحابة موتًا مُطلقا أبو الطُّفيل عامر بن واثلة الليثي مات سَنَة مئة من الهجرة‏.‏ قاله مسلم في «صحيحه» ورواه الحاكم في «المستدرك» عن خليفة بن خيَّاط‏.‏

وقال خليفة في غير رواية الحاكم‏:‏ إنَّه تأخَّر بعد المئة‏.‏

وقيلَ‏:‏ مات سَنَة اثنتين ومئة‏.‏ قاله مُصعب بن عبد الله الزُّبيري‏.‏

وجزم ابن حبَّان‏,‏ وابن قانع‏,‏ وأبو زكريا بن منده‏:‏ أنَّه مات سَنَة سبع ومئة‏.‏

وقال وهب بن جرير بن حازم‏,‏ عن أبيه‏:‏ كنتُ بمكَّة سَنَة عشر ومئة‏,‏ فرأيتُ جنازة‏,‏ فسألتُ عنها‏,‏ فقالوا‏:‏ هذا أبو الطُّفيل‏.‏

وصحَّح الذَّهَبي أنَّه سَنَة عشر‏.‏

وأمَّا كونه آخر الصَّحابة موتًا مُطْلقًا‏,‏ فجزم به مسلم‏,‏ ومصعب الزُّبيري‏,‏ وابن منده‏,‏ والمِزِّي في آخرين‏.‏

وفي «صحيح» مُسلم عن أبي الطُّفيل‏:‏ رأيت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وما على وجه الأرض رجُل رآهُ غيري‏.‏

قال العِرَاقي‏:‏ وما حكاهُ بعض المتأخِّرين عن ابن دُريد‏,‏ من أنَّ عكراش بن ذُؤيب تأخَّر بعد ذلك‏,‏ وأنَّه عاشَ بعد الجمل مئة سَنَة‏,‏ فهذا باطلٌ لا أصل له‏,‏ والَّذي أوقع ابن دُريد في ذلك ابن قُتيبة‏,‏ فقد سبقهُ إلى ذلك‏,‏ وهو إمَّا باطل‏,‏ أو مؤول بأنَّه استكمل المئة بعد الجمل‏,‏ لا أنَّه بقي بعدها مئة سَنَة‏.‏

وأمَّا قول جَرير بن حازم‏:‏ إن آخرهم موتًا سَهْل بن سعد‏,‏ فالظَّاهر‏,‏ أنَّه أراد بالمَدينة‏,‏ وأخذه من قول سهل‏:‏ لو متُّ لم تسمعُوا أحدًا يقول‏:‏ قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، إنَّما كان خطابه بهذا لأهل المدينة‏.‏

وآخِرهُم قَبلَهُ أنَس‏.‏

وآخرهم موتا قبله أنس بن مالك‏,‏ مات بالبصرة سَنَة ثلاث وتسعين‏,‏ وقيلَ‏:‏ اثنتين‏,‏ وقيلَ إحدى‏,‏ وقيلَ تسعين‏,‏ وهو آخر من مات بها‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ لا أعلم أحدًا مات بعده‏,‏ مِمَّن رأى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، إلاَّ أبا الطُّفيل‏.‏

وقال العِرَاقي‏:‏ بل مات بعده محمود بن الرَّبيع بلا خلاف في سَنَة تسع وتسعين‏,‏ وقد رآه صلى الله عليه وسلم وحدَّث عنه‏,‏ كما في «صحيح» البُخَاري‏.‏

وكذا تأخَّر عنهُ عبد الله بن بُسر المَازني‏,‏ في قول من قال‏:‏ وفاته سَنَة ست وتسعين‏.‏

وآخر الصَّحابة موتًا بالمدينة سهل بن سعد الأنْصَاري‏,‏ قاله ابن المَدِيني‏,‏ والواقدي‏,‏ وإبراهيم بن المُنْذر‏,‏ وابن حبَّان‏,‏ وابن قانع‏,‏ وابن مَنْده‏.‏

وادَّعَى ابن سعد نفي الخِلاف فيه‏,‏ وكانت وفاتهُ سَنَة ثَمَان وثَمَانين‏.‏ وقيلَ إحدى وتسعين‏.‏ وقال قَتَادة‏:‏ بل مات بمصر‏.‏ وقال ابن أبي داود‏:‏ بالإسكندرية‏.‏

وقيلَ‏:‏ السائب بن يزيد‏,‏ قاله أبو بكر بن أبي داود‏,‏ وكانت وفاته سَنَة ثمانين‏.‏

وقيلَ‏:‏ جابر بن عبد الله‏,‏ قاله قَتَادة وغيره‏.‏

قال العِرَاقي‏:‏ وهو قولٌ ضعيف‏,‏ لأنَّ السَّائب ماتَ بالمَدينة بلا خلاف‏,‏ وقد تأخَّر بعده‏.‏

وقيلَ‏:‏ ماتَ بقُباء‏,‏ وقيلَ‏:‏ بمكَّة‏,‏ وكانت وفاته سَنَة اثنتين وسَبْعين‏,‏ وقيلَ‏:‏ ثلاث‏,‏ وقيلَ‏:‏ أرْبع‏,‏ وقيلَ‏:‏ سبع‏,‏ وقيلَ‏:‏ ثمان‏,‏ وقيلَ‏:‏ تِسْع‏.‏

قال العِرَاقي‏:‏ وقد تأخَّر بعد الثَّلاث محمود بن الرَّبيع الَّذي عقلَ المَجَّة‏,‏ وتوفَّى بها سَنَة تسع وتسعين‏,‏ فهو إذَنْ آخر الصَّحابة موتًا بها‏.‏

وآخرهم بمكَّة تقدَّم أنَّه أبو الطُّفيل‏,‏ وهو قول ابن المَدِيني‏,‏ وابن حبَّان‏,‏ وغيرهما‏.‏

وقيلَ‏:‏ جابر بن عبد الله‏,‏ قاله ابن أبي داود‏,‏ والمشهور وفاتهُ بالمَدِينة‏.‏

وقيلَ‏:‏ ابن عُمر‏,‏ قالهُ قَتَادة‏,‏ وأبو الشَّيْخ‏,‏ وابن حبَّان‏,‏ ومات سَنَة ثلاث‏,‏ وقيلَ أربع وسبعين‏.‏

وآخرهم بالكُوفة عبد الله بن أبي أوفى‏,‏ مات سَنَة ست وثمانين‏,‏ وقيلَ‏:‏ سبع‏,‏ وقيلَ‏:‏ ثمان‏.‏

وقال ابن المَدِيني‏:‏ أبو جُحيفة‏.‏

والأوَّل أصح‏,‏ فإنَّه مات سَنَة ثلاث وثمانين‏.‏

وقد اخْتُلف في وفاة عَمرو بن حُريث‏,‏ فقيل‏:‏ سَنَة خمس وثَمَانين‏,‏ وقيلَ سَنَة ثمان وتسعين‏.‏ فإن صحَّ الثَّاني‏,‏ فهو آخرهم موتًا بها‏.‏

وابن أبي أوْفَى آخر من مات من أهل بيعة الرِّضْوان‏,‏ رضي الله عنهم‏.‏

وآخرهم بالشَّام عبد الله بن بُسْر المَازني‏,‏ قالهُ خلائق‏,‏ ومات سَنَة ثمان وثمانين‏,‏ وقيلَ‏:‏ ست وتِسْعين‏,‏ وهو آخر من مات مِمَّن صلَّى القِبْلتين‏.‏

وقيلَ‏:‏ آخرهم بالشَّام أبو أُمَامة البَاهلي‏.‏ قاله الحسن البصري‏,‏ وابن عُيينة‏,‏ والصَّحيح الأوَّل‏,‏ فوفاته سَنَة ست وثمانين‏.‏ وقيلَ‏:‏ إحدى وثمانين‏.‏

وحكى الخليلي في «الإرشاد» القولين بلا ترجيح‏,‏ ثمَّ قال‏:‏ وروى بعض أهل الشَّام أنَّه أدرك رَجُلاً بعدهما يُقال له الهدار‏,‏ رأى النَّبي صلى الله عليه وسلم، وهو مجهول‏.‏

وقيلَ‏:‏ آخرهم بالشَّام‏:‏ واثلة بن الأسْقَع‏,‏ قالهُ أبو زَكَريا بن مَنْده‏,‏ وموتهُ بدمشق‏,‏ وقيلَ‏:‏ ببيت المَقْدس‏,‏ وقيلَ‏:‏ بحمص سَنَة خمس وثمانين‏,‏ وقيلَ‏:‏ ثلاث‏,‏ وقيلَ‏:‏ ست‏,‏ وآخرهم بحمص عبد الله بن بُسْر‏.‏

وآخرهم بالجزيرة العُرْس بن عَميرة الكندي‏.‏

وآخرهم بفلسطين‏:‏ أبو أُبي عبد الله بن حرام‏,‏ ربيب عُبَادة بن الصَّامت‏.‏

وقيلَ‏:‏ مات بدمشق‏,‏ وقيلَ‏:‏ ببيت المَقْدس‏.‏

وآخرهم بمصر‏:‏ عبد الله بن الحارث بن جَزْء الزبيدي‏,‏ مات سَنَة ست وثمانين‏.‏

وقيلَ‏:‏ خمس‏,‏ وقيلَ‏:‏ سبع‏,‏ وقيلَ‏:‏ ثَمَان‏,‏ وقيلَ‏:‏ تسع‏,‏ قاله الطَّحاوي‏,‏ وكانت وفاته بسفط القدور‏,‏ وتعرف الآن بسفط أبي تراب‏.‏

وقيلَ‏:‏ باليمامة‏,‏ وقيلَ‏:‏ إنَّه شهد بدرًا- ولا يصح- فعلى هذا هو آخر البدريين موتًا‏.‏

وآخرهم باليَمَامة‏:‏ الهِرْماس بن زِيَاد البَاهلي سَنَة اثنتين ومئة‏,‏ أو مئة‏,‏ أو بعدها‏.‏

وآخرهم ببرقة‏:‏ رُويفع بن ثابت الأنْصَاري‏,‏ وقيلَ‏:‏ بأفريقية‏,‏ وقيلَ‏:‏ بأنطابلس‏,‏ وقيلَ‏:‏ بالشَّام‏,‏ ومات سَنَة ثلاث وستين‏,‏ وقيلَ‏:‏ سَنَة ست وستين‏.‏

وآخرهم بالبَادية‏:‏ سلمة بن الأكوع‏,‏ قالهُ أبو زكريا بن مَنْده‏,‏ والصَّحيح أنَّه مات بالمدينة‏,‏ ومات سَنَة أرْبع وسبعين‏,‏ وقيلَ‏:‏ أربع وستين‏,‏ وهذا آخر ما ذكرهُ ابن الصَّلاح‏.‏

وآخرهُم بخُراسان‏:‏ بُريدة بن الحَصِيب‏.‏

وآخرهُم بسجستان‏:‏ العَدَاء بن خالد بن هَوْذة‏,‏ ذكرهما أبو زكريا بن مَنْده‏.‏

قال العِرَاقي‏:‏ وفي بُريدة نظر‏,‏ فإنَّ وفاته سَنَة ثلاث وسبعين‏,‏ وقد تأخَّر بعده أبو بَرْزة الأسْلمي‏,‏ ومات بها سَنَة أربع وسبعين‏.‏

وآخرهم بالطَّائف‏:‏ ابن عبَّاس‏.‏

وآخرهُم بأصبهان‏:‏ النَّابغة الجَعْدي‏,‏ قاله أبو الشَّيْخ‏,‏ وأبو نُعيم‏.‏

وآخرهم بسمرقند‏:‏ قُثَم بن العبَّاس‏.‏

الخامسُ‏:‏ لا يُعرفُ أبٌ وابنه شَهِدَا بدرًا‏,‏ إلاَّ مَرْثد وأبُوه‏,‏ ولا سَبْعةُ إخْوَة صَحَابة مُهَاجُرون‏,‏ إلاَّ بنُو مُقَرِّن‏,‏ وسيأتون في الإخْوة‏,‏ ولا أربعة أدْرَكُوا النَّبي صلى الله عليه وسلم مُتوالدُون إلاَّ عبد الله بن أسْمَاء بنت أبي بَكْر بن أبي قُحَافة‏,‏ وإلاَّ أبو عَتِيق مُحمَّد بن عبد الرَّحمن بن أبي بَكْر بن أبي قُحَافة رَضِي الله عنهم‏.‏

الخامسُ‏:‏ لا يُعرف أب وابنه شهدَا بدرًا إلاَّ مَرْثد وأبوه أبو مَرْثد بن الحصين الغَنَوي‏.‏

قُلتُ‏:‏ أغرب من هذا ما أخرجه البَغَوي في «معجم الصَّحَابة» قال‏:‏ حدَّثنا ابن هانئ‏,‏ حدَّثنا ابن بُكير‏,‏ حدَّثنا اللَّيث‏,‏ عن يزيد بن أبي حبيب‏:‏ أنَّ معن بن يزيد بن الأخنس السلمي شهد هو وأبوه وجده بدرًا‏.‏

قال‏:‏ ولا نعلم أحدًا شهد هو وابنه وابن ابنه بدرًا مسلمين‏,‏ إلاَّ الأخنس‏.‏

وقال ابن الجَوْزي‏:‏ لا نَعْرف سبعة إخوة شهدُوا بدرًا مُسْلمين إلاَّ بنو عَفْراء‏:‏ معاذ‏,‏ ومُعوِّذ‏,‏ وإياس‏,‏ وخالد‏,‏ وعاقل‏,‏ وعامر‏,‏ وعوف‏.‏

قال‏:‏ ولم يَشْهدها مُؤمن ابن مُؤمنين إلاَّ عمَّار بن ياسر‏.‏

قال‏:‏ ومن غريب ذلك‏:‏ امرأة لها أربعة إخوة وعمَّان شهدُوا بدرًا‏,‏ أخَوَان وعم من المُسْلمين‏,‏ وأخَوَان وعم من المُشْركين‏,‏ وهي أم أبَان بنت عُتبة بن ربيعة‏,‏ أخَوَاها المُسلمان‏:‏ أبو حُذيفة بن عتبة‏,‏ ومُصعب بن عُمير‏,‏ والعم المُسلم‏:‏ مَعْمر بن الحارث‏,‏ وأخواها المُشْركان‏:‏ الوليد بن عتبة‏,‏ وأبو عزيز‏,‏ والعم المُشْرك‏:‏ شَيْبة بن ربيعة‏.‏

ولا يُعرف سبعة إخْوة صحابة مُهَاجرون إلاَّ بنو مُقرِّن‏,‏ وسيأتون في النَّوع الثَّالث والأربعين في الإخوة وهناك ذكرهم ابن الصَّلاح‏,‏ ويأتي ما عليه من اعْتراض‏,‏ فإنَّ أولاد الحارث بن قيس السَّهمي كلهم صَحبُوا وهاجروا‏,‏ وهم سبعة‏,‏ أو تسعة‏.‏

ولا أربعة أدركُوا النَّبي صلى الله عليه وسلم مُتوالدُون إلاَّ عبد الله بن أسماء بنت أبي بكر الصِّديق بن أبي قُحافة‏,‏ وإلاَّ أبو عتيق محمَّد بن عبد الرَّحمن بن أبي بكر بن أبي قُحَافة رضي الله عنهم‏.‏

قال شيخ الإسْلام ابن حجر‏:‏ وقد ذكرُوا أنَّ أُسَامة ولد له في حياة النَّبي صلى الله عليه وسلم، فعلى هذا يَكُون كذلك‏,‏ إذ حارثة والد زيد صحابي‏,‏ كما جزم به المُنْذري في «مُختصر مسلم» وحديث إسلامه في «مستدرك» الحاكم‏,‏ وكذا زيد وأسامة‏.‏

قال‏:‏ وكذا إياس بن سلمة بن عَمرو بن الأكوع‏,‏ الأربعة ذكروا في الصَّحابة‏.‏

وطلحة بن مُعاوية بن جاهمة بن العبَّاس بن مِرْداس‏,‏ في أمثلة أخرى لا تصح‏.‏

فوائد‏:‏

ليس في الصَّحَابة من اسمه عبد الرَّحيم‏,‏ بل ولا من التَّابعين‏,‏ ولا من اسمه إسْمَاعيل من وجه يصح‏,‏ إلاَّ واحد بَصْري‏,‏ روى عنه أبو بَكْر بن عمارة حديث‏:‏ «لا يلج النَّار أحدٌ صلَّى قبل طُلوع الشَّمس وقبلَ غُروبها»‏.‏ أخرجه ابن خُزيمة‏.‏